٣٧ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ أي: أحسنا إليك وأنعمنا عليك قبل هذه المرة، والمن: الإحسان إلى من لا يَسْتَثيِبه (١). وذكرنا معاني المَن عند قوله: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٦٤] الآية.
٣٨ - وقوله تعالى: ﴿مَرَّةً أُخْرَى﴾ تفسيره قوله: ﴿إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ﴾ قال المفسرون: (وحي إلهام) (٢). مثل: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] أي: ألهمناها حين عيت بأمرك، بلطف إلهامنا إياها ما كان فيه سبب نجاتك من القتل.
وقوله تعالى ﴿مَا يُوحَى﴾ أي: ما يلهم، ثم فسر هذا الملهم بقوله:
٣٩ - ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾. وذكر ابن الأنباري في قوله: ﴿مَا يُوحَى﴾ وجهين أحدهما: (أن معناه وأوحينا إلى أمك الذي يجوز أن يوحى إليها، والضرب الذي يمكن أن تكون مختصة به؛ لأنه ليس كل الأمور يصلح وحيها إليها، فكأنها اختصت بما يجوز أن يختص به أمثالها ممن ليس بنبي ولا رسول. والثاني: أن ﴿مَا يُوحَى﴾ أفاد في الآية توكيد أوحينا، كأنه قيل: أوحينا إلى أمك إيحاء) (٣). ومعنى: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ﴾ اجعليه فيه بأن ترميه فيه، واستعمل لفظ القذف هاهنا للعجلة، كي تعجل قبل أن يطلع
(٢) "الكشف والبيان" ٣/ ١٧ ب، "تفسير كتاب الله العزيز" ٣/ ٣٧، "بحر العلوم" ٢/ ٣٤٠، "معالم التزيل" ٥/ ٢٧٢، "المحرر الوجيز" ١٠/ ٢٦.
(٣) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ٥/ ٢٨٣، والطبرسي في "مجمع البيان" ٥/ ١٧.