قال أهل المعاني: (معنى ﴿لِنَفْسِي﴾ لتتصرف بإرادتي ومحبتي). وجاز ﴿لِنَفْسِي﴾ بمعنى لمحبتي؛ لأن المحبة أخص شيء بالنفس، فحسن أن يجعل ما اختص بها مختصًّا بالنفس على هذا الوجه. وهذا معنى قول ابن عباس: (لوحيي ورسالتي) (١). لأن تبليغه الوحي وقيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله تعالى ومحبته (٢).
وقال بعضهم: (معنى ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾: اخترتك بالإحسان إليك لإقامة حجتي) (٣). أي: لتتكلم عني وتبلغ عني وتقيم حجتي على خلفي. وهذا ظاهر في معنى لنفسي، وقد كشف عنه أبو إسحاق فقال: (تأويله: اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي حتى صرت في الخطاب عني والتبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت

(١) "زاد المسير" ٥/ ١٩٩، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ١٩٨ "روح المعاني" ١٦/ ١٩٣.
(٢) قال ابن أبي العز في "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ٢٦٤: وأما لفظ الأركان والأعضاء والأدوات فيستدل بها النفاة على نفي بعض الصفات الثابتة بالأدلة القطعية كاليد والوجه قال أبو حنيفة: (له يد ووجه ونفس كما ذكر تعالى في القرآن من ذكر اليد والوجه والنفس فهو له صفة بلا كيف) فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني سالمة من الاحتمالات الفاسدة، فلذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفيًا ولا إثباتًا لئلا يثبت معنى فاسد أو ينفى معنى صحيح وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٧٠: أي: اصطفيتك واجتبيتك رسولاً لنفسي أي: كما أريد وأشاء.
انظر: "الفقه الأكبر" ص ٣٦، "تيسير الكريم الرحمن" ٥/ ١٥٨، "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى".
(٣) "المحرر الوجيز" ١٠/ ٣٢، "روح المعاني" ١٦/ ١٩٣.


الصفحة التالية
Icon