وهو (١) أشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحرى أن يظن بحديثه. ولو كان في الحديث أنها لا تمنع لامسًا أو فرج لامس؛ كان اللمس محمولًا على الجماع، ولكنه قال: يد لامس. ويحمل على ما تأوّلنا، وقد وجدنا له شاهدًا في أشعار العرب، قال جرير بن الخطفى:

ألستم لئامًا إذ ترومون جاركم (٢) ولولاهم لم يدفعوا كفَّ لامس (٣)
= وبنحو ذلك مختصرًا قال الذهبي كما في "بذل المجهود" في حل أبي داود ١٠/ ١٣ للسَّهانفوري.
وقال ابن كثير ٣/ ٢٦٥: المراد إن سجيتها لا ترد يد لامس، لا أن المراد أن هذا واقع منها وأنها تفعل الفاحشة، ولما كان سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفراقها احتياطًا، فلما ذكر له أنَّه يحبّها ولا يقدر على فراقها، وأنَّه لا يصبر على ذلك ويخشى أن تتبعها نفسه رخَّص به في البقاء معها؛ لأنَّ محبَّته لها متحققة ووقوع الفاحشة منها متوهَّم، فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهّم الآجل. اهـ.
وبمثله قال السندي في "حاشيته على النسائي" ٦/ ٦٧.
وقال الصنعاني في "سبل السلام" ٣/ ٣٦٠: المراد أنها سهلة الأخلاق ليس فيها نفور وحشمة من الأجانب لا أنها تأتي الفاحشة، وكثير من النساء والرجال بهذه المثابة مع البعد عن الفاحشة.
(١) سياق الكلام: هذا عندنا مذهب الحديث، وهو أشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. وجملة: وإن كان الآخر مقولًا. معترضة.
(٢) في جميع النسخ: (جارهم)، والتصويب من "الديوان" و"الناسخ والمنسوخ" ص ١١١.
(٣) البيت في "ديوانه" ٢/ ٩٠١ من قصيدة يجيب بها عن جنباء أحمد بن عليم وقد حدثت بينه وبين غسان بن ذهيل السليطي ملاحاة، فهجاه غسَّان فأجاب عنه جرير، وروايته في الديوان:
ألستم لئامًا إذ ترومون جاركم. ولولاهم لم تدفعوا كفَّ لامس.
وانظر: "النقائص" ص ٢٦.


الصفحة التالية
Icon