ومعنى ﴿بَلْ﴾ هاهنا: تحقيق لتكذيبهم، وإيذان أن القصة الأولى قد تمت. وذكرنا هذا عند قوله: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ﴾ في سورة: الكهف [٤٨] (١) ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ﴾ بيوم القيامة (٢) ﴿سَعِيرًا﴾ نارًا تتلظى عليهم.
١٢ - ثم وصف ذلك السعير فقال: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾ أنث فعل السعير وهو مذكر؛ لأنه أراد النار (٣). قال أبو عبيدة: ووصفها بالرؤية (٤)، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يقل عليّ ما لم أقل فليتبوّأ بين عيني جهنم مقعدًا"، قيل يا رسول الله: وهل لها عينان، قال: "نعم، ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ " (٥). قال الكلبي والسدي ومقاتل: من مسيرة مائة

= كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ [الأنعام: ٦٢]. "المفردات" للراغب الأصفهاني ٢٤٨.
(١) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: بل هاهنا إيذان بأن القصة الأولى قد تمت وبدأ في كلام آخر؛ وذلك أن الآية عامة في المؤمن والكافر إلى قوله: ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ﴾ فلما أخذ في كلام خاص لأحد الفريقين أدخل: بل، ليؤذن بتحقيق ما سبق، وتوكيد ما يأتي بعده كقوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦].
(٢) "تفسير هود الهوّاري" ٣/ ٢٠٣. و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٥٥. و"تفسير الطوسي" ٧/ ٤٧٥.
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ٢/ ٧٠، بتصرف. وهناك قول آخر؛ ذكره البغوي ٦/ ٧٥، والزمخشري ٣/ ٣٦٠، فيه إضافة الرؤية إلى الزبانيَّة. وهو مخالف لظاهر الآية. وقد أحسن الواحدي. رحمه الله. في اقتصاره على القول الأول.
(٤) لم أجد قول أبي عبيدة في كتابه المجاز.
(٥) أخرجه ابن جرير ١٨/ ١٨٧، بسنده عن فُدَيك عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مرسل؛ لأن فديك وهو ابن سيمان، ويقال: ابن أبي سليمان، من أتباع التابعين يروي عن التابعين كالأوزاعي، وعباد بن عباد، وغيرهم. ولم أجد لفديك سنة وفاة. "التاريخ الكبير" ٧/ رقم الترجمة: ٦١٣. و"تهذيب التهذيب" ٨/ ٢٣١. وقال =


الصفحة التالية
Icon