للعابدين (١)، ويدل على هذا قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ [سبأ ٤٠، ٤١] أي: لم نتخذهم أولياء وإن عبدونا في الظاهر. فدل هذا على أن العابد يُسمَّى وليًا للمعبود. ويصير المعنى: كأنهم قالوا: ما كان ينبغي لنا أن نأمر غيرنا باتخاذنا وليًا، ولن نتخذ من دونك وليًا يعبدنا. فحذف من الكلام اتخاذ العابدين إياهم أولياء بدلالة ما ذكر عليه، وهذا معنى قول ابن عباس في هذه الآية: يقولون ما توليناهم ولا أحببنا عبادتهم. قال: ويحتمل أن يكون قولهم: ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ أرادوا معشر العبيد لا أنفسهم، أي: إنا وهم عبيدك فكان لا ينبغي لعبيدك أن يتخذوا من دونك أولياء، ولكنهم تواضعًا منهم أضافوا ذلك إلى أنفسهم وعنوهم به، كما يقول الرجل إذا أتى أخوه كبيرةً: ما كان ينبغي لي أن أفعل مثل هذا، وهو يعني به غيره، ولهذا الإشكال قرأ من قرأ ﴿أَنْ نَتَّخِذَ﴾ بضم النون. وهذه القراءة أقرب في التأويل لو صحت (٢)؛ قال أبو إسحاق: هذه القراءة خطأ؛ لأنك تقول: ما اتخذتُ من أحد وليًا، ولا يجوز: ما اتخذتُ أحدًا

(١) في (ج): (للعابد).
(٢) هذه قراءة أبي جعفر المدني. "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦٤، و"إرشاد المبتدي" ص ٤٦٦. ونسبها ابن جرير ١٨/ ١٩١، للحسن، ويزيد بن القعقاع، وهو: أبو جعفر المدني. قال ابن الجزري ٢/ ٣٣٣، بعد أن نسبها لأبي جعفر: وهي قراءة زيد بن ثابت، وأبي الدرداء، وأبي رجاء، وزيد بن علي.... وذكرها ابن جني في المحتسب ٢/ ١١٩. وقول الزجاج ٤/ ٦٠: وقرأ أبو جعفر المدني وحده، يعني من العشرة. وجزْمُ الواحدي -رحمه الله- بضعف هذه القراءة تبع فيه الزجاج، حيث نقل كلامه في تضعيفها، ولم يعترض عليه. وضعف ابن جرير ١٨/ ١٩١، هذه القراءة لعلل ثلاث؛ لإجماع الحجة على القراءة بفتح النون، ولقوله تعالى في سورة سبأ: ٤٠، =


الصفحة التالية
Icon