من ولي؛ لأن ﴿مِنْ﴾ إنما دخلت لأنها تنفى واحدًا في معنى جمع، تقول: ما من أحد قائمًا، وما من رجل محبًا لما يضره، ولا يجوز: ما رجل من محب ما يضره، ولا وجه لهذا عندنا البتة. ولو جاز هذا لجاز في ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] ما أحد عنه من حاجزين. ولو لم يكن ﴿مِنْ﴾ لصحت هذه القراءة (١).

= ٤١ ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ﴾ والعلة الثالثة ما ذكره الواحدي عن الزجاج.
وقد وجه هذه القراءة ابن جني، فقال: ﴿مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ في موضع الحال، أي: ما كان ينبغي لنا أن نُتخذ من دونك أولياء، ودخلت ﴿مِنْ﴾ زائدة لمكان النفي، كقولك: أتخذتَ زيداً وكيلاً، فإن نفيت قلت: ما اتخذت زيداً من وكيل، وكذلك: أعطيته درهماً، وما أعطيته من درهم. "المحتسب" ٢/ ١٢٠، وقد حسن هذا التوجيه وارتضاه ابن الجزري، في "النشر" ٢/ ٣٣٣. وتبعه على ذلك البناء، في: "إتحاف فضلاء البشر" ص ٣٢٨. ووجه هذه القراءة أيضًا الزمخشري ٣/ ٢٦٣. وصححها ابن القيم، في "إغاثة اللَّهفان" ٢/ ٢٣٧. قال ابن كثير ٦/ ٩٩، بعد ذكر هذه القراءة: وهي قريبة المعنى من الأُولى. قال البقاعي: وقراءة أبي جعفر بالبناء للمفعول، بضم النون وفتح الخاء، واضحة المعنى، أي: يتخذنا أحد آلهة نتولى أموره. "نظم الدرر" ١٣/ ٣٦١. فالحاصل أن هذه القراءة ثابتة، مقروء بها عن أبي جعفر المدني. والله أعلم.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٠. وتخطئة الزجاج لهذه القراءة لتخطئة أكثر النحويين لها! حيث قال: وهذه القراءة عند أكثر النحويين خطأٌ. ومثل هذا لا يكفي لتخطئة القراءة، إذ الاعتبار بصحة الرواية، قال ابن جني في الرد على من رد الرواية لمجرد مخالفتها للمشهور من القراءة: وكيف يكون هذا والرواية تنميه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله تعالى يقول ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] وهذا حكم عام في المعاني والألفاظ. "المحتسب" ١/ ٣٣، وقال أيضًا: والقرآن يُتخير له، ولا يتخير عليه. "المحتسب" ١/ ٥٣. وقال ابن الجزري: كل =


الصفحة التالية
Icon