الفراء: ﴿إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ﴾ صلة لاسم متروك اكتفى بـ ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ منه؛ كقولك في الكلام: ما بعثت إليك من الناس إلا مَنْ إنَّه ليعطيك. ألا ترى أن قولك: ليعطيك (١) صلة لـ: مِن، وجاز ضميرها (٢) كما قال: ﴿وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ [الصافات: ١٦٤] وكذلك قوله: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١] أي: ما منكم إلا من يردها. قال: ولو لم تكن اللام جوابًا لـ ﴿إِنَّ﴾ كانت إنَّ، مكسورةً أيضًا لأنها مبتدأة، إذ كانت صلةً. انتهى كلامه (٣).
وقال أبو إسحاق: هذا احتجاج عليهم في قوله: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ فقيل لهم: كذلك كان من خلا من الرسل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. قال: وأما دخول ﴿إِنَّهُمْ﴾ فعلى تأويل: ما أرسلنا [قبلك من المرسلين] (٤) إلا هم يأكلون الطعام، وإلا إنهم

= مجتمعهم، لعل الله أن يرجع إلى الحق بهم. وهذا يدل على أنه ينبغي لأهل العلم والفضل دخول الأسواق للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس ما يتعلق بأحكام البيع والشراء، ونحو ذلك. وفي كتاب: "ظلال القرآن" ٥/ ٢٥٥٣، كلام جيِّد في حكمة مشي الأنبياء في السوق. فليراجع. وهذه الآية أصل في تناول الأسباب، وطلب المعاش بالتجارة والصناعة، وغير ذلك، وفي هذا رد على من لا يأخذ بالأسباب يزعم أنه متوكل. وقد قرر هذه المسألة القرطبي، في تفسيره ١٣/ ١٤، تقريرًا حسنًا.
(١) هكذا: ليعطيك، في الموضعين، في النسخ الثلاث. وفي "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦٤: ليطيعك، من الطاعة. ولعله أقرب. والله أعلم.
(٢) أي: حذفها. حاشية "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٦٤.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٦٤. وذكر ابن جرير ١٨/ ١٩٤، قريباً منه. ولم ينسبه.
(٤) ما بين المعقوفين في (ج). وهذه الزيادة غير موجودة في "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٠.


الصفحة التالية
Icon