جريج: ولو شاء لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية (١). وقال قتادة: لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله (٢).
قال أبو إسحاق: قوله ﴿فَظَلَّتْ﴾ معناه: فتظل، والجزاء يقع فيه لفظ الماضي بمعنى المستقبل، تقول: إن أتيتني أكرمتك، معناه: أكرمك (٣).

(١) أخرجه ابن جرير ١٩/ ٥٩. وذكره الثعلبي ٨/ ١٠٧ أ.
(٢) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٣. وعنه ابن جرير ١٩/ ٥٩. وابن أبي حاتم ٨/ ٢٧٥٠. وأخرج ابن جرير ١٩/ ٥٩ عن ابن عباس: (ملقين أعناقهم). ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩]. وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [هود: ١١٨]. قال ابن كثير ٦/ ١٣٥: "فنفذ قدره، ومضت حكمته، وقامت حجته البالغة على خلقه بإرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم".
وذكر الثعلبي ٨/ ١٠٧ أ، بإسناده من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قولاً غريباً في المراد بهذه الآية، قال: نزلت هذه الآية فينا، وفي بني أمية، قال: سيكون لنا عليهم الدولة فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة، وهوان بعد عزة. وقد تبع الثعلبي في سياق هذه الرواية دون تعليق عليها عدد من المفسرين، كالزمخشري ٣/ ٢٩١، والطبرسي ٧/ ٢٨٩، والقرطبي ١٣/ ٩٠، وقال بعد سياقها: فالله أعلم. وأبو حيان ٧/ ٧، ولم يتعقبها. وقد أحسن الواحدي في إعراضه عن ذكر هذه الرواية في تفاسيره الثلاثة، وإن كان الأولى أن يرد هذه الرواية، وينقضها، وممن أعرض عن ذكرها ابن كثير، والسيوطي، والشوكاني، وغيرهم، ولم أر من تعقب هذه الرواية غير ابن عاشور ١٩/ ٩٧، حيث قال: (ومن بدع التفاسير وركيكها ما نسبه الثعلبي إلى ابن عباس، أنه قال: نزلت هذه الآية فينا وفي بني أمية فتذل لنا أعناقهم بعد صعوبة، ويلحقهم هوان بعد عزة. وهذا من تحريف كلم القرآن عن مواضعه، ونحاشي ابن عباس -رضي الله عنه- أن يقوله، وهو الذي دعا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يعلمه التأويل والقرآن أجل من أن يتعرض لهذه السفاسف).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٢.


الصفحة التالية
Icon