يخاف عندي من أرسلته برسالتي (١). والمعنى: لا يُخيف الله الأنبياء، أي: إذا أمنهم فلا يخافونه، فيكف يخاف الحية، فنهى عن الخوف من الحية، ونبه على أمن المرسلين عند الله ليعلم أن من أمنه الله من عذابه بالنبوة ودرجة الرسالة لا يستحق أن يخاف الحية (٢).
١١ - ثم قال: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ يعني: أذنب (٣) ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا﴾ أي: توبة وندمًا ﴿بَعْدَ سُوءٍ﴾ عمله فإنه يخاف ويرجو ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وعلى هذا الاستثناء صحيح من المرسلين؛ ويكون المعنى: إلا من ظلم نفسه [فيما فعل من صغيرة، فالاستثناء متصل. وفيه إشارة إلى أن موسى وإن ظلم نفسه] (٤) بقتل القبطي، وخاف من ذلك فإن الله يغفر له؛ لأنه ندم على ذلك وتاب منه (٥)؛ وهذا أحد قولي الفراء، واختيار ابن قتيبة (٦).
(٢) "تفسير الوسيط" ٣/ ٣٦٩، ولم ينسبه.
(٣) "تفسير مقاتل" ٥٧ أ، وذكر لذلك أمثلة فقال: فكان منهم آدم، ويونس، وسليمان، وإخوة يوسف، وموسى بقتله النفس، عليهم السلام. قال ابن عطية ١١/ ١٧٦: أجمع العلماء أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر، ومن الصغائر التي هي رذائل، واختلف فيما عدا هذا.
(٤) ما بين المعقوفين غير موجود في نسخة (ج).
(٥) "الوسيط" ٣/ ٣٧٠. ويشهد له قوله تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [القصص: ١٦ - ١٧].
(٦) "تأويل مشكل القرآن" ٢١٩. واختاره ورجحه ابن جرير ١٩/ ١٣٧.