الْغَائِبِينَ} أي: بل أكان من الغائبين، كأنه ترك الكلام الأول، واستفهم عن حاله وغيبته.
وقال صاحب النظم: (كَانَ) هاهنا بمنزلة: صار، كقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى﴾ [الأنفال: ٦٧] أي: أن يصير له أسرى، والتأويل: صار من الغائبين. أي: صار ممن يغيب عن مركزه. انتهى كلامه.
وقال أبو علي: معنى: ﴿مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ أخبروني عن الهدهد، أحاضرٌ هو ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [فعرنت الجملة لقوله (أَمْ كَانَ)] (١) ومثله قوله: ﴿أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٣] وسنذكره في موضعه (٢). وقوله: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ﴾ [الزمر: ٩] (٣) قال: وهذا قول أبي

(١) ما بين المعقوفين، في نسخة (ج).
(٢) قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾: قال أبو علي: في إلحاق همزة الاستفهام بعض البعد؛ لأنهم قد علموا أنهم اتخذوهم سخريًا، فكيف يستقيم أن يستفهموا عن اتخاذهم سخرِيًا، وقد علموا ذلك، يدل على علمهم به أنه قد أخبر عنهم بذلك في قوله: ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي﴾ [المؤمنون: ١١٠] فالجملة التي هي: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ﴾ صفة للنكرة وهي قوله: ﴿رِجَالًا﴾ ووجه قول من ألحق الهمزة الاستفهام أنه على التقرير لا على المعنى، وذلك ليعادل قوله: ﴿أَتَّخَذْنَاهُمْ﴾ بـ (أم) في قوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقدن: ٢] وإن لم يكن استفهامًا في المعنى وكذلك قولهم: ما أبالي أزيد قائم أم عمرو، فإن قلت: ما الجملة المعادلة بقوله: ﴿أَمْ زَاغَتْ﴾ فالقول فيه: أنها محذوفة المعنى: أمفقودون أم زاغت عنهم الأبصار، وهذا كما ذكرنا في قوله تعالى: ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [النمل: ٢].
(٣) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: قرئ بالتخفيف والتشديد، واختلف أهل المعاني في توجيه القراءتين، واختار أبو عبيد التشديد، قال: ومعناها عند أهل العلم: هذا أفضل أمن هو فانت على تأويل: أم الذي هو قانت.. وهذا قول أبي علي في وجه هذه القراءة وشرحه فقال: الجملة التي قد عادلت أم قد حذفت، =


الصفحة التالية
Icon