غيري (١). وقال ابن عباس. ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ قدر ربوبيتي وعظمتي (٢).
٥٨ - ثم خوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية فقال: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ معنى البَطَر في اللغة: الحيرة، والبطر في النعمة هو: أن تكثر عليه النعمة فيدْهشَ فيها، ولا يهتدي للشكر عليها (٣).
قال الليث: البطر: الحَيرة، يقال: لا يُبْطِرن جَهلُ فلانٍ حِلمكَ. أي: لا يُدْهشكَ عنه (٤). ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الكِبْر بطر الحق" (٥)، وهو أن يتحير في الحق فلا يراه حقًا (٦). هذا هو أصل معنى البطر.
وقال أبو إسحاق: البطر: الطغيان عند النعمة (٧). وبطر الحق على قوله: أن تطغى عند الحق؛ أي: تتكبر فلا تقبله.
وقال أبو علي الفارسي: البطر فيما قال بعض الناس: كراهة الشيء من غير أن يستحق أن يكره. وانتصاب المعيشة عند الفراء بنقل الفعل
(٢) أخرج ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩٩٦، عن ابن عباس، في هذه الآية: ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ لا يعقلون.
(٣) "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٣٦ (بطر). والدَّهَش: ذهاب العقل من الذَّهْل والوَلَه. "تهذيب اللغة" ٦/ ٧٧ (دهش).
(٤) كتاب "العين" ٧/ ٤٢٢ (بطر). ونقله عنه الأزهري، "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٣٦.
(٥) جزء من حديث عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْر" قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَة قَالَ: "إِنَّ الله جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَق وَغَمْطُ النَّاسِ". أخرجه مسلم ١/ ٩٣ في الإيمان" رقم ٩١. والترمذي ٤/ ٣١٧، كتاب البر، رقم ١٩٩٨.
(٦) "تهذيب اللغة" ١٣/ ٣٣٦ (بطر).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٥٠.