الشراء يذكر في الاستبدال والاختيار، وهو كثير في القرآن، ويدل على هذا ما قال قتادة في هذه الآية: أما والله لعله ألا يكون (١) أنفق مالاً، وبحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق (٢). وهذه الآية -على هذا التفسير- تدل على تحريم الغناء، وفيه تفصيل يحتاج إلى ذكره هاهنا.
قال الشافعي رحمه الله: وإن كان يديم الغناء، ويغشاه المغنون معلنًا فهذا سفه يرد به معنى الشهادة، وإن كان ذلك بقل لم يرد، فأما استماع الحداء ونشيد الأعراب والرجز فلا بأس به (٣)، هذا كلامه.
قال أصحابنا: نشيد الأعراب يجوز استماعه، وإن أنشد في الألحان في الحداء وغيره، وأما الغناء المحض فالقليل منه لا يعد سفهًا، والمداومة عليه من جملة السفه لا سيما مع الإعلان، وأما الأوتار والمزامير والمعازف كلها حرام، وكذلك طبل اللهو، أما الراع فمكروه استماعه مع تخفيف فيه؛ لما روي عن نافع عن (٤) ابن عمر سمع صوت زمارة راع، فجعل أصبعيه في أذنيه، وعدا عن الطريق، وجعل يقول: يا نافع: أتسمع؟ فأقول: نعم، فلما قلت: لا، راجع الطريق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعله (٥).

= وحيث رأيت في كتب التفسير قال أهل المعاني، فالمراد به مصنفو الكتب في "معاني القرآن" كالزجاج ومن قبله.
(١) في (ب): (إلا أن يكون).
(٢) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ١٠٥، "تفسير الطبري" ٢١/ ٦١، "المحرر الوجيز" ١١/ ٤٨٤.
(٣) "الأم" ٦/ ٢١٤.
(٤) هكذا في النسخ، ولعل الصواب: أن.
(٥) ذكره صاحب "كنز العمال" ١٥/ ٢٢٧، رقم الحديث (٤٠٦٩٢) وقال: أخرجه ابن =


الصفحة التالية
Icon