وقوله: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾ قال ابن عباس والمفسرون: يريد الأسر يعني إذا بالغتم في قتلهم فأسروهم، فالأمر بعد المبالغة في القتل (١) كما قال: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ في الْأَرْضِ﴾ [الأنفال: ٦٧] وأما الوثاق: فهو اسم من الإيثاق، وقد يوضع موضع المصدر يقال: أوثقه إيثاقًا ووثاقاً، ومنه قوله: ﴿وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ﴾ [الفجر: ٢٦] والوِثاق بالكسر اسم الشيء الذي يوثق به كالرباط (٢).
قال المفسرون: أمر الله تعالى بشد وثاق الأسارى كيلا يقتلوا ويهربوا (٣)، فأمر أولاً بالقتل ثم بالأسر، ثم ذكر الحكم في الأسر بقوله: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ قال أبو إسحاق: أي بعد أن تأسروهم إما مننتم عليهم منًّا، فأطلقوهم بغير عوض، وإما أن تفدوا فداء (٤)، واختلف المفسرون في هذه الآية، فذهب كثير منهم إلى هذا الحكم، وهو المن والفداء منسوخ بالقتل، وهو قوله ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وهو قول مجاهد وقتادة والحسن ومقاتل والضحاك والسدي وابن جريج ورواية عطاء عن ابن عباس قالوا: إما السيف وإما الإسلام (٥).

(١) قال الزجاج: ﴿أَثْخَنْتُمُوهُمْ﴾ أكثرتم فيهم القتل. فالأسر بعد المبالغة في القتل. انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦، وذكر هذا المعنى البغوي في "تفسيره" ولم ينسبه ٧/ ٢٧٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ولم ينسبه ٧/ ٣٩٧، وقال السمرقندي: يعني: حتى إذا قهرتموهم وأسرتموهم فشدوا الوثاق يعني: فاستوثقوا أيديهم من خلفهم. انظر: "تفسير أبي الليث" ٣/ ٢٤٠.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (وثق) ٩/ ٢٦٦، "اللسان" (وثق) ١٠/ ٣٧١.
(٣) ذكر ذلك الطبري في "تفسيره" ١٣/ ٢/ ٤٠.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٦.
(٥) أخرج الطبري قول ابن جريج والسدي وقتادة وابن عباس والضحاك. انظر: =


الصفحة التالية
Icon