قوله تعالى: ﴿يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ من صفة كمال ذلك الزرع وحسنه.
وقال أبو إسحاق: (الزُّراع) الدعاة إلى الإسلام (١)، وعلى هذا معنى الكلام: أن قوة صحابة محمد -صلى الله عليه وسلم- وكثرتهم تعجب الدعاة إلى دينه، كما يعجب حسن هذا الزرع الذين زرعوه، وتم الكلام ثم قال: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ واللام متعلق بمحذوف دل عليه ما سبق والتقدير: فعل الله بهم ذلك ليغيظ بهم الكفار (٢)، أي: إنما كثرهم وقواهم لكونوا غيظاً للكافرين، وروي لنا عن الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال في قوله: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ ما آمن أن يكونوا قد صارعوا الكفار، يعني: الرافضة، لأن الله تعالى يقول: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ فمن غاظه واحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خفت عليه أن يكون ممن دخل في قوله: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾ (٣).
وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، قال أبو إسحاق: فيها قولان: يكون منهم تخليصاً للجنس من غيره، كما تقول: أنفق نفقتك من الدراهم، أي: اجعل نفقتك هذا الجنس، والمعنى: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين أجراً عظيماً، فضلهم على غيرهم لسابقتهم وعظم أجرهم، هذا كلامه في أحد القولين، وبياف أنه ليس يمكن حمل قوله: (منهم) على التبعيض لأنهم كلهم مؤمنون
(٢) انظر: "الدر المصون" ٦/ ١٦٧، "البحر المحيط" ٨/ ١٠٣.
(٣) ذكر القرطبي ١٦/ ٢٩٧ نحو هذه المقالة، وكذلك أبو حيان في "البحر المحيط" ٨/ ١٠٣، وابن كثير ٦/ ٣٦٥ ونسبوها جميعًا لمالك.