مذهب الكوفيين، قال الأخفش: مخافة أن تحبط، كما تقول: أدعم الحائط أن يميل أي مخافة أن يميل (١)، وهذا قول البصريين، وقد بينا هذا في مواضع.
قال مقاتل: يعني أن تبطل حسناتكم وأنتم لا تشعرون (٢).
قال أبو إسحاق: هذا إعلام أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجب أن يجل ويعظم غاية الإجلال والإعظام، وأنه قد يفعل الشيء مما لا يشعر به في أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيكون ذلك مهلكاً لفاعله أو قائله، ولذلك قال بعض الفقهاء: من قال: إن زِرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسخ، يريد به النقص وجب قتله، هذا مذهب مالك وأصحابه، انتهى كلامه (٣).
قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية انطلق ثابت مهموماً حزيناً فمكث في بيته أياماً مخافة أن يكون قد حبط عمله، وكان سعد بن عبادة جاره فانطلق سعد حتى أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بقول ثابت أنه قد حبط عمله وأنه في النار فقال: "اذهبْ فأخبره أنه ليس مِنْ أهل النار وأنه من أهلِ الجنة" (٤) ففرح ثابت وخرج إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان بعد ذلك إذا كان عند النبي
-صلى الله عليه وسلم- خفض صوته فلا يسمع من يليه فنزلت فيه.
٣ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ وقال عطاء

(١) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٩٥، ونص عبارته (أي مخافة أن تحبط أعمالكم، وقد يقال: (اسْمُك الحائط أن يميل).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٩٠.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٣٢.
(٤) أخرج ذلك البخاري عن أنس بن مالك. انظر: "صحح البخاري" -كتاب التفسير- سورة الحجرات ٦/ ٤٦. وأخرجه الطبري ١٣/ ١١٩ عن عكرمة، وأورده الثعلي في "تفسيره" ١٠/ ١٥٨ أ - ب، وذكره القرطبي في "الجامع" ١٦/ ٣٠٥.


الصفحة التالية
Icon