وقال أبو عبيدة في قوله: (بين أخويكم): معنى الآيتين يأتي على الجميع إنما تأويله: على كل أخوين (١).
وفي قوله: ﴿بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ دليل على أن صفة البغي لا تزيل اسم الإيمان؛ لأن الله تعالى أثبت الأخوة بين المؤمنين بقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ ثم سَمَّى الباغي والعادل أخوين فقال: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ وجعلهما أخوين للمؤمنين، فالباغي أخو المؤمنين كما أن العادل أخوهم، ونحو هذا قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فيهم لما سأله الحارث (٢) الأعور عن أهل الجمل وصفين (٣) فقال: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا (٤). فقال: أهم منافقون؟. قال: لا، إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قال: فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا (٥).

(١) لم أقف عليه عند أبي عبيدة، وقد نسبه القرطبي ١٦/ ٣٢٣ لأبي عبيدة.
(٢) هو: الحارث بن عبد الله الأعور الهَمْداني الخارِفِي أبو زهير الكوفي، ويقال: الحارث بن عبيد، ويقال: الحوتي، وحوت بطن من همدان، روى عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وروى عنه الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وأبو البختري الطائي وغيرهم، وهو ضعيف في الحديث، توفي عام ٦٥ هـ انظر: "ميزان الاعتدال" ١/ ٤٣٥، "تهذيب التهذيب" ٢/ ١٤٥.
(٣) صفين: بكسرتين وتشديد الفاء: هو موضع بقرب الرقة على شاطىء الفرات من الجانب الغربي بين الرقة وبالس وكانت وقعة صفين بين علي -رضي الله عنه- ومعاوية -رضي الله عنه- في سنة ٣٧ هـ، في غرة صفر. انظر: "معجم البلدان" ٣/ ٤١٤.
(٤) قال الفراء: فَرّ فلان يَفِر فِرارًا إذا هَرَب، انظر "تهذيب اللغة" (فر) ١٥/ ١٧٢، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- قال لِعديّ بن حاتم: "ما يُفِرُّك إلا أن يقال لا إله إلا الله" أفْرَرْتُه أفِرَّه: فَعَلْتُ به ما يَفِر منه ويَهْرُب: أي: ما يحملك على الفرار إلا التوحيد. انظر: "النهاية في غريب الحديث" ٣/ ٤٢٧.
(٥) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" عن الحارث عن علي، انظر ١٠/ ١٦٤ أ، ب. وأيضًا ذكره البغوي في "تفسيره" ٧/ ٣٤١، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٣٢٣.


الصفحة التالية
Icon