والآخر: أن (ما) بمعني الذي والتقدير: كانوا قليلاً من الليل الذي يهجعون. وهذا قول الكلبي. قال: كانوا قليلاً من الليل الذي يناموا (١) ويجوز في هذا التأويل الوجهان اللذان ذكرنا في التأويل الأول، بأن يجعل الذي يهجعون بعض الليلة الواحدة، وبعض الليالي فيجعل الليل اسم الجنس. واختار المبرد أن تكون (ما) صلة. وقال: لو كان (ما) للمصدر أو بمعنى الذي، لكان ما قبلها مرفوعًا فيكون: قليل هجوعهم، أو قليل الذي يهجعون (٢).
١٨ - ﴿وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ وأجاز الفراء وأبو إسحاق النصب مع كون (ما) للمصدر (٣). وأقوال المفسرين موافقة للوجوه التي ذكرناها ودالة عليها. فأما قول من قال: كانوا لا ينامون عن العشاء الآخرة. وهو قول أبي العالية. ونحو ذلك قال محمد بن علي: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العتمة (٤).
وروي قتادة عن أنس في هذه الآية قال: كانوا يصلون بين المغرب
(١) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١٢٣، واختار ابن جرير حيث قال: لأن الله تبارك وتعالى وصفهم بذلك مدحًا لهم وأثني عليهم به، فوصفهم بكثرة العمل وسهر الليل ومكابدته فيما يقربهم منه ويرضيه عنهم، أولي وأشبه من وصفهم من قلة العمل وكثرة النوم، مع أن الذي اخترنا في ذلك هو أغلب المعاني على ظاهر التنزيل.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٨٤، "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٥٣.
(٤) انظر: "جامع البيان" ٢٦/ ١٢٢، "معالم التنزيل" ٤/ ٣٢٠، "الجامع الأحكام القرآن" ١٧/ ٣٦.