مصدرًا اختص به المعتل كما اختص بكينونةٍ (١) وإن جعلته فعلًا بيكون مثل الكيان وليس هذا كما لزمه الانتصاب من المصادر نحو معاذ الله وسبحان الله ألا ترى أنه قد جاء مرفوعًا في بيت النمر ومجرورًا في قراءة حمزة (٢).
قال أبو إسحق: وقد ذكر الله -عز وجل- في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليم البيان ومن خلق الشمس والقمر والسماء والأرض.
ثم خاطب الجن والإنس فقال:
١٣ - ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ أي فبأي نعم ربكما تكذبان من هذه الأشياء المذكورة؛ لأنها كلها مُنعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم والوصلة إلى حياتكم (٣). وتقدم الكلام في تفسير الآلاء في سورة الأعراف (٤)، قال الكلبي: فبأي آلاء ربكما يريد الإنس والجن (٥).
فإن قيل: على هذا إنما تقدم ذكر الإنس في قوله ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾ ولم يجر للجن ذكر حتى يدخل في الخطاب، والجواب عن هذا ما ذكره الفراء قال: العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين فيقال: ارجلاها وازجراها (٦) وقد ذكرنا هذا عند قوله ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ﴾ وهذا الوجه اختيار ابن

(١) قال ابن منظور: وكان الخليل يقول: كيْنونة فيعولة هي في الأصل كيونونة، التقت منها ياء وواو والأولى منهما ساكنة فصيرتا ياء مشددة مثل ما قالوا الهيّن من هُنْتُ، ثم خففوها فقالوا: كينونة كما قالوا: هَيْنٌ لَيْنٌ، انظر: "اللسان" ٣/ ٣١٦ (كون).
(٢) تقدم توثيقها، وانظر: "الحجة للقراء السبعة" ٦/ ٢٤٦.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٩٨.
(٤) عند تفسيره الآية (٦٩) من سورة الأعراف وآلاء: النعم، واحدها أَلىّ بالفتح، وإليٌّ، وإلى. "اللسان" (ألا).
(٥) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣١٤
(٦) انظر: "معاني القرآن" ٣/ ١١٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٦.


الصفحة التالية
Icon