به عن المعاصي ولذلك ختم كل آية بقوله ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
٤٦ - ثم أعلم -عز وجل- ما لمن اتقاه وخافه، قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ وقد ذكرنا أن المقام يجوز أن يكون مصدرًا وموضعًا عند قوله ﴿خَيْرٌ مَقَامًا﴾ [مريم: ٧٣] وهاهنا أيضا يجوز المعنيان (١) فإن جعلته موضعًا كان المعنى مقامه بين يدي ربه للحساب، أي: المقام الذي يوقفه فيه ربه وإن جعلته مصدرًا جاز فيه وجهان، أحدهما:
قيامه لربه يدل عليه قوله ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [المطففين: ٦]، والآخر: قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه بالعلم، ويدل عليه قوله ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ﴾ [الرعد: ٣٣] الآية.
والمفسرون على القول الأول في المقام، قال ابن عباس: يريد مقامه بين يدي ربه، خاف ذلك المقام فترك المعصية والشهوة (٢)
وقال مجاهد: إذا هم بمعصية فذكر مقام الله عليه في الدنيا فتركها (٣). وعلى هذا المقام مصدر.
قوله تعالى: ﴿جَنَّتَانِ﴾ كلام بعض المفسرين يدل على أن كل من ترك المعصية خوفًا من الله فله جنتان على حدته لا يشاركه فيهما غيره، وكلام بعضهم يدل على أنها جنتان لكل من خاف الله تبارك وتعالى بترك المعصية على المشاركة فيهما (٤) وهذا معنى قول مقاتل يعني جنة عدن وجنة

(١) في (ك): (المعنيين) المُقام والمُقامىُ: الموضع الذي تقيم فيه.
والمُقامة (بالضم): الإقامة. والمَقامة (بالفتح): المجلس والجماعة من الناس.
وأما المَقامُ والمُقامُ فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة "اللسان" ٣/ ١٩١، (قوم).
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٢٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٢٧٣.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ٨٥، و"الكشف والبيان" ١٢/ ٣٤ أ، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٧٦.
(٤) انظر: "التفسير الكبير" ٢/ ١٢٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ١٧٧.


الصفحة التالية
Icon