الله تعالى قد ركب فيها العقل والمعرفة فهي تتميز غيظًا على أعداء الله وهي أعرف بهم من الوالدة بولدها ولهذا المعنى خوطبت في قوله عز وجل: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ﴾ الآية [ق: ٣٠].
ووجه آخر وهو أن معنى قوله: ﴿هِيَ مَوْلَاكُمْ﴾ لا مولى لكم أي لا ناصر، وذلك أن من كانت النار مولاه فهو مولى له وهذا كما يقال: ناصره الخذلان، ومعينه البكاء، أي لا ناصر له ولا معين، ومثله كثير ويؤكد هذا الوجه قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١].
١٦ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾. يقال: أَنَى لك يَأْني أَنًى، وآن لك يئين أيْناَ إذا حان (١). روى الثوري عن الأعمش قال: لما قدموا المدينة أصأبوا من لين العيش ورفاهيته ففتروا عن بعض ما كانوا عليه فعوتبوا ونزلت في ذلك ﴿أَلَمْ يَأْنِ﴾ الآية (٢). ونحو هذا قال القرظي، قال: كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الريف ففتروا عما كانوا عليه (٣).
وقال ابن أبي رواد: إن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ظهر فيهم المزاح والضحك فأنزل الله هذه الآية (٤).
قال ابن مسعود: لم يكن بين إسلامهم وبين أن عاتبهم الله بهذه الآية
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٢٧٦، وابن المبارك في "الزهد" ٢/ ٨٩، وابن المنذر، و"الدر" ٦/ ١٧٥.
(٣) انظر: "الكشف والبيان" ١٢/ ٦٦ أ - ب.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف". انظر: "الدر" ٦/ ١٧٥، و"فتح القدير" ٥/ ١٧٤.