يتبدعونه هم (١).
ومعنى ﴿ابْتَدَعُوهَا﴾ جاءوا بها من قبل أنفسهم، وهو معنى قوله: ﴿مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ﴾ قال ابن عباس: ما فرضناها عليهم (٢).
ومعنى رهبانيتهم غلوهم في العبادة من حمل المشاق على أنفسهم في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنكاح، والتعبد في الغيران والكهوف والديارات والصوامع، وسبب ذلك على ما قال المفسرون: أن ملوكهم بدلوا غيروا وأحدثوا أحداثًا في دينه وقاتلوهم الذين بقوا على دينهم، فقتل منهم الكثير ولم يبق إلا نفر قليل، فذهب هؤلاء النفر وخرجوا إلى البراري والجبال متبتلين، وابتدعوا الرهبانية (٣).
قوله تعالى: ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: يريد طلبوا رضي الله (٤).
وقال قتادة: ابتدعوها ابتغاء رضوان الله (٥)، وعلى هذا يكون التقدير: ما كتبناها عليهم لكن ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، فيكون استثناء منقطعًا.
وقال أبو إسحاق: ويكون ﴿ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ بدلاً من الهاء

(١) انظر: "التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٤٥، و"فتح القدير" ٥/ ١٧٨.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٦٥، و"الوسيط" ٤/ ٢٥٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٧/ ٢٦٣، ونسبه لابن زيد.
(٣) انظر: "جامع البيان" ٢٧/ ١٣٨، سنن النسائي، كتاب آداب القضاة، باب: تأويل قوله -عَزَّ وَجَلَّ- ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، و"معالم التنزيل" ٤/ ١٠٣، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٣١٥ - ٣١٦.
(٤) انظر: "تنوير المقباس" ٥/ ٣٦٥، و"التفسير الكبير" ٢٩/ ٢٤٦.
(٥) انظر: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢٧٦، و"جامع البيان" ٢٧/ ١٣٨.


الصفحة التالية
Icon