وقوله: ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ﴾ بعد قوله: ﴿لَا يَنْصُرُونَهُمْ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ﴾ (١) وقد مر.
١٣ - ثم ذكر أن المنافقين خوفهم من المؤمنين أشد من خوفهم من الله فقال ﴿لَأَنْتُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: يريد هم منكم من أجل أنهم قوم لا يفقهون عظمة الله (٢)، وقال الفراء: هذا من صفة اليهود. يقول إنهم أهيب في صدورهم من عذاب الله عندهم، وذلك أن أهل النضير كانوا ذوي بأس شديد، فقذف الله الرعب في قلوبهم من المسلمين (٣).
١٤ - ثم أخبر عن اليهود فقال ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ﴾ قال أبو إسحاق: أعلم الله عز وجل أنهم إذا اجتمعوا على قتال المؤمنين لم يبرزوا لحربهم، إنما يقاتلون متحصنين بالقرى والجدران (٤).
قوله: ﴿أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ﴾ أي لا يصحرون (٥) لكم ولا يقاتلون حتى يكون بينكم وبينهم حاجز من حصن أو سور.
وقراءة العامة ﴿جُدُرٍ﴾ على الجمع إذ ليس المعنى أنهم يقاتلونكم من وراء حجاب واحد، ولكن من وراء جدر، ولا يقاتلونكم إلا في قرى محصنة، وكما أن القرى جماعة كذلك الجدر ينبغي أن تكون جمعًا، ومن

(١) عند تفسيره الآية رقم (٣٢) من سورة الأنفال.
(٢) لم أجد هذا الأثر.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ١٤٦.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٤٨.
(٥) أصحر القوم إذا برزوا إلى فضاء لا يواريهم شيء. انظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٣٥، و"اللسان" ٢/ ٤١١ (صحر).


الصفحة التالية
Icon