تعيره بذلك حتي قالوا له: إن كان بك من هذا القول الذي تدعيه طلب الغني (١) جمعنا لك مالاً حتى تكون كأيسر أهل مكة، فكرث (٢) النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره، فعدد الله عليه منته في هذه السورة، ووعد الغنى، وأنزل: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ (٣) صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾. -أي ما كنت فيه من أمر الجاهلية؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- كان في كثير من مذاهبه على مذاهب قومه، وإن لم يكن عبد صنمًا ولا وثنًا- (٤)، ثم ابتدأ فيما وعده من الغنى في الدنيا ليسليه عما خامره من قول (من) (٥) عيره بالفقر فقال: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾، والدليل على ذلك دخول الفاء في قوله: ﴿فَإِنَّ﴾ (٦)، ودل ذلك على أن التأويل: لا يحزنك ما يقولون، وما أنت فيه من الإقلال، فإن مع ذلك يسرًا في الدنيا عاجلاً، ثم أنجز ما وعده، فلم يمت حتى فتح عليه الحجاز، وما والاها من القرى العربية، وعامة بلاد اليمن، وحي أهل البوادي، وكان يعطي المئين من الإبل، ويهب الهبات [السنية] (٧)، ويعد لأهله قوت سنة.
(٢) كرث: كَرَثه النَعم، يَكِرثه، وأكْرَثَه: أي اشتد عليه، وبلغ منه المشقة. "النهاية في غريب الحديث والأثر" ٤/ ١٦١.
(٣) في (أ): (لك)، وهو ضمير زائد على بنية الكلام.
(٤) ما بين شرطتي الاعتراض من قول الإمام الواحدي.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) وذلك لأن الفاء لا تدخل أبداً إلا في عطف أو جواب. انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٥ أ.
(٧) غير مقروءة في النسختين.