ثم ابتدأ فصل آخر فقال: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ والدليل على ابتدائه (١): تعريه (٢) من فاء، أو واو، أو غيرهما من حروف النسق، وهو وعد عام لجميع المؤمنين؛ لأنه يعني بذلك أن مع العسر في الدنيا للمؤمنين يسرًا في الآخرة لا محالة، وربما اجتمع له اليسران: يسر الدنيا، وهو ما ذكر في الآية الأولى، ويسر (في) (٣) الآخرة، وهو ما ذكر في الآية الثانية) (٤).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لن يغلب عسر يسرين" أي يسر الدنيا والآخرة (٥)، والمعنى: لن يجمعهما في الغلبة، إنما يغلب أحدهما إن غلب، وهو يسر الدنيا، فأما يسر الآخرة للمؤمنين فلا محالة كائن، ولا يغلبه شيء، والعسرة بين يسرين: إما (٦) فرح في الدنيا، وإما ثواب الآخرة (٧). وهذا هو الصحيح في معنى الآية.
وهو أن اليسرين: أحدهما في الدنيا، والثاني في الآخرة، إما هذا، وإما ذاك، وربما اجتمعتا، ويدل على صحة هذا مَا ذكر محمد بن إسماعيل
(٢) في (أ): (تعرية بواو).
(٣) ما بين القوسين ساقط من: (ع).
(٤) ما بين القوسين من قول الجرجاني، انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٤ ب، ١١٥ أ، نقله الإمام الواحدي عن "الكشف" بتصرف، وانظر أيضًا بنحوه في "زاد المسير" ٨/ ٢٧٢، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٠٨، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٩.
(٥) سبق تخريجه.
(٦) في (أ): (أنها).
(٧) وهذا المعنى ورد بمعناه عن الثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٥ أ، وانظر. و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٣، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٣.