و ﴿وَالكِتَابِ﴾؛ يعني: القرآن (١). فهو مصدرٌ، سُمِّي به المكتوب.
وقوله تعالى: ﴿بِاَلحَقِّ﴾. أي: بالصدق في أخباره، وجميع دلالاته.

= يكن متعديًا قبل التضعيف. وقولهم: (غالبًا): لأن التضعيف جاء دالًا على الكثرة في اللازم؛ نحو: (موَّت المالُ): إذا كثر. إن التضعيف الدال على الكثرة، لا يجعل اللازم متعديًا كما في (مَوَّت المال). ولما كان (نزل) لازما، وصار بالتضعيف متعديًا، دلَّ على أن تضعيفه للنقل لا للتكثير. إنه لو كان (نَزَّل) للتكثير، لاحتاج قولُهُ تعالى: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: ٣٢] إلى تأويل، إنه ورد فعل (نَزَّل) المضعَّف، في آيات كثيرة، ولا يمكن أن يدل على التكثير، إلا بتأويل بعيد جدًا، ومن ذلك قوله تعالى ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ﴾ [الأنعام: ٣٧] وقوله: ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٥].
كما أن (أنزل) قد ورد خاصًّا بالقرآن، فقال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ [النحل: ٤٤] فلو كان أحدهما يدل على التنجيم، والآخر على النزول دفعة واحدة، لكان في ذلك تناقض في الإخبار، وهو محال. انظر: "الحجة" للفارسي: ٢/ ١٥٨ - ١٦٢، "البحر المحيط" ١/ ١٠٣، "الدر المصون" ٣/ ١٩٨، ٣/ ٢١. ويرى ابن عاشور أن التضعيف في ﴿نَزَّلَ﴾ كالهمز فيه، إلا أن التضعيفَ يؤذن بقوة الفعل في كيفيته وكمِّيَتِه، وأن ﴿نَزَّلَ﴾ أهم من (أنزل)؛ حيث يدل على عِظَم شأن نزول القرآن. ويرى بأنه لا دلالة على أن التوراة والإنجيل نزلا دفعة واحدة، بل نزلا مفرقَيْن؛ كحال كل ما نزل على الرسل في مدة الرسالة. انظر تفسير "التحرير والتنوير" ٣/ ١٤٧، ١٤٨.
(١) ذهب سعيد بن جبير إلى أن الكتاب هنا: خواتيم سورة البقرة. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٥٨٧. أما جمهور المفسرين، فقد ذهبوا إلى أن المراد به القرآن، كما فَسَّره المؤلف. يقول أبو حيان (الكتاب هنا: القرآن، باتفاق المفسرين). "البحر المحيط" ٢/ ٣٧٧. وانظر: "تفسير الطبري" ٣/ ١٦٦، ١٦٧ "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٥٨٧، "تفسير البغوي" ٢/ ٦، "تفسير ابن جزي" ٧٣، "زاد المسير" ١/ ٣٤٩، "تفسير ابن كثير" ١/ ٣٦٩، "الدر المنثور" ٢/ ٥.


الصفحة التالية
Icon