ثم يقال لكل ما غَمُضَ ودَقّ: (مُتشابهٌ)، وإنْ لم تقع الحَيْرَةُ فيه، مِنْ جِهَةِ (الشَّبَهِ) (١) بغيره ألا تَرَى أنه قد قيل للحروف المقَطَّعَةِ في أوائل السُّوَر: متشابهة؟ (وليس) (٢) الشكُّ (٣) فيها. والوقوف فيها؛ لمشاكَلَتِها غيرَهَا والتباسِها به. ومثل المتشابه: المُشكِلُ.
واعلَمْ (٤) أنَّ القرآن كُلَّهُ محكَمٌ مِنْ وَجْهٍ؛ على معنى: أنه (حقٌّ) (٥) ثابت (٦). قال اللهُ تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ [هود: ١]. ومُتَشابِهٌ مِنْ وَجْهٍ؛ وهو أن يشبه بعضه بعضًا في الحُسْنِ، ويُصدّق بَعْضُه بعضًا (٧)، وهو قوله تعالى: ﴿كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ﴾ (٨) [الزمر: ٢٣].

= انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٧٣، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٠٦،"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة: ٢٦، "تفسير المشكل" لمكي: ٢٥، "تذكرة الأريب في تفسير الغريب" لابن الجوزي: ١/ ٥٣، "عمدة الحفاظ" للسمين الحلبي: ٢٥٩.
(١) في (ج): (الشيء).
(٢) في (ج): (ولبس).
(٣) قوله: (الشك..) إلى (ومثل المتشابه): ساقط من: (ج).
(٤) من قوله: (واعلم..) إلى (.. ويصدق بعضه بعضا) نقله عن "تفسير الثعلبي" ٣/ ٦ب.
(٥) (حق): ساقطة من: (ج).
(٦) تدور معاني الإحكام العام هنا على المعنى اللغوي للكلمة، أي: بمعنى الاتقان، والتدعيم، ومنع تطرق الخلل إلى ألفاظه وأساليبه ومعانيه؛ فهو محكم الألفاظ، لا يعتريها خلل ولا خطأ؛ ومحكم الأساليب، لا يعتورها رِكَّةٌ ولا تعقيد؛ ومحكم المعاني، فكلها حق ورسوخ، وثبات.
(٧) قوله: (في الحسن ويصدق بعضه بعضًا): ساقط من: (ج).
(٨) قال ابن العربي: (وأما كونه متشابها) فبمعنى واحد، وهو ما وصفناه من الأحكام الذي يجري في جميع سوره وآياته). "قانون التأويل" له: ٦٦٥. ويقول: "والمعنى الذي صار به القرآن كله محكما، بذلك المعنى، صار كله متشابهًا). المرجع السابق: ٦٦٥. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالتشابه هنا: تماثل الكلام، وتناسبه؛ بحيث يصدق بعضه بعضًا. فالإحكام العام في معنى التشابه العام، بخلاف الإحكام الخاص والتشابه الخاص؛ فإنهما متنافيان). ذكره ابن الوزير في "إيثار الحق على الخلق" ٩٢. وانظر في هذا المعنى: "الرسالة التدميرية" لابن تيمية: ٦٥، "القائد إلى تصحيح العقائد"، لعبد الرحمن المعلمي: ١٦١، "ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان" لابن الوزير: ١٢٤، "أقاويل الثقات"، للكرمي: ٤٨.


الصفحة التالية
Icon