وقوله تعالى: ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ﴾ قال ابن عباس: (يريد: إن ذنوبكم جهل، ليس بكفر ولا جحود) (١).
وقال الحسن (٢) ومجاهد (٣) والضحاك (٤): (كل من عمل بخطيئة فهو جاهل).
قال أبو إسحاق: (معنى الجهالة هاهنا يحتمل أمرين أحدهما: أنه عمله وهو جاهل بمقدار المكروه فيه، أي: لم يعرف أن فيه مكروهًا، والآخر: أنه علم أن عاقبته مكروهة، ولكنه آثر العاجل فجُعل جاهلاً بأنه آثر القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة) (٥)؛ هذا كلامه، والوجه الثاني (٦) أقواهما، ومثل هذه الآية قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ الآية [النساء: ١٧]، وقد ذكرنا ما فيه هناك.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي: رجع عن ذنبه ولم يصرّ على ما فعل ﴿وَأَصْلَحَ﴾ عمله ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

(١) أخرج الطبري في "تفسيره" ٤/ ٢٩٩، بسند ضعيف عن ابن عباس قال: (من عمل السوء فهو جاهل ومن جهالته عمل السوء)، وذكر القرطبي في "تفسيره" ٥/ ٩٢، نحوه عن ابن عباس وقتادة والضحاك ومجاهد والسدي.
(٢) قال الماوردي في "تفسيره" ٢/ ١٢٠: (قال الحسن ومجاهد والضحاك: الجهالة الخطيئة) ا. هـ. وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" ٢/ ٣٧: (قال الحسن وعطاء وقتادة والسدي في آخرين: إنما سموا جهالًا لمعاصيهم، لا أنهم غير مميزين) ا. هـ. وذكر قول الحسن الرازي في "تفسيره" ١٣/ ٥.
(٣) "تفسير مجاهد" ١/ ١٤٩، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ٤/ ٢٩٩، ٧/ ٢٠٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٣٠١، بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ٢٦ - ٢٧.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٧/ ٢٠٩، وابن أبي حاتم ٤/ ١٣٠١ بسند ضعيف.
(٥) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٢٥٤.
(٦) انظر: "تفسير ابن عطية" ٥/ ٢١٦، والرازي ١٣/ ٥.


الصفحة التالية
Icon