بمعنى الوصل، وأصله: الافتراق (١) والتباين، قيل: إنه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين في نحو: بيني وبينه شركة، وبيني وبينه رحم وصداقة صارت لاستعمالها في هذه المواضع بمنزلة الوصلة، وعلى خلاف الفرقة، لهذا جاء ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ بمعنى: لقد تقطع وصلكم، وحكى سيبويه: (هو أحمر بين العينين) (٢)، وهذا يدل على جواز استعماله اسمًا.
فأما من قرأ: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ بالنصب ففيه مذهبان أحدهما: أنه أضمر الفاعل في الفعل، ودل عليه ما تقدم من قوله: ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ﴾، ألا ترى أن هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر، فكأنه قيل: لقد تقطع وصلكم بينكم.
وقد حكى سيبويه أنهم قالوا: (إذا كان غدًا فأتني) (٣)، [فأضمر ما كانوا فيه من رخاء أو بلاء على معنى: إذا كان الرخاء أو البلاء غدًا فأتني (٤)]، فأضمر لدلالة الحال عليه، وصار دلالة الحال بمنزلة جَرْي الذكر وتقدمه، والمذهب الآخر من انتصاب البين: شيء يراه أبو الحسن (٥)، وهو أنه يذهب إلى: (أنه وإن نُصب يكون معناه معنى المرفوع لمّا جرى في كلامهم منصوبًا ظرفًا تركوه على ما يكون عليه في أكثر
(٢) "الكتاب" ١/ ١٩٥.
(٣) "الكتاب" ١/ ٢٢٤.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ش).
(٥) أبو الحسن هو سعيد بن مسعدة المجاشعي البصري الأخفش الأوسط، تقدمت ترجمته.