حسناته على سيئاته، فذلك قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الناجون، قال: وهذا كما قال في سورة الأنبياء: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾) (١) [الأنبياء: ٤٧].
وقال مقاتل: (﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ وزن الأعمال يومئذ العدل ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ من المؤمنين وزن ذرة على سيئاته ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾) (٢). فأما كيفية وزن الأعمال فله وجهان:
أحدهما: أن أعمال المؤمن تتصور في صورة حسنة، وأعمال الكافر تتصور في صورة قبيحة فتوزن تلك الصورة كما ذكره ابن عباس.
والثاني: أن الوزن يعود إلى الصحف التي فيها أعمال العباد مكتوبة، وسئل رسول الله - ﷺ - عما يوزن (٣) يوم القيامة، فقال: "الصحف" (٤).
هذا الذي ذكرنا مذهب عامة المفسرين (٥) وأهل العلم في هذه الآية، وكان مجاهد والضحاك والأعمش (٦) يفسرون الوزن والميزان: (العدل

(١) ذكره السمرقندي في "تفسيره" ١/ ٥٣١ والثعلبي ١٨٧ ب، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٥٨، والبغوي في "تفسيره" ٣/ ٣١٥، وابن الجوزي ٣/ ١٧١، والرازي ١٤/ ٢٤، والقرطبي ٧/ ١٦٦، وغيرهم، وذكره السيوطي في "الدر" ٨/ ١٢٩، ١٣٠، وقال: (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وأخرجه أبو الشيخ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس) اهـ.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢/ ٣٠.
(٣) في (ب): (ما يوزن).
(٤) لم أقف عيه.
(٥) قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" ٢/ ٢٢٦: (يمكن الجمع بين الآثار الواردة في ذلك بأن يكون ذلك كله صحيح فتارة توزن الأعمال وتارة توزن محالها وتارة يوزن فاعلها والله أعلم). وانظر: "فتح الباري" ١٣/ ٥٣٧ - ٥٤٠.
(٦) ذكره الرازي في "تفسيره" ٨/ ٢٥، والقرطبي ٧/ ١٦٥، وأبو حيان في "البحر" ٤/ ٢٧٠ عن الأعمش.


الصفحة التالية
Icon