قال المفسرون: (إن إبليس -لعنه الله- استنظر إلى يوم البعث، وأراد أن يذوق الموت في النفخة الأولى، فلم يُعطه ذلك، وأنظره إلى يوم النفخة الأولى [لا إلى] (١) الثانية؛ لأنه بين مدة المهلة في موضع آخر فقال: ﴿إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ [الحجر: ٣٨] وهو النفخة الأولى حين يموت الخلق كلهم) (٢).
١٦ - قوله تعالى: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾، قال ابن عباس: (يريد: فبما أضللتني، مثل قول نوح: ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾) (٣) [هود: ٣٤].
قال أبو بكر الأنباري حاكيًا عن أهل اللغة: (الإغواء (٤) إيقاع الغَيِّ في القلب، والغَيُّ: المذموم من الفعل، وقوله: ﴿فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾ أي: فبما أوقعت في قلبي من الغي الذي كان سبب خروجي من الجنة، وكذلك قوله: ﴿إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ﴾ [هود: ٣٤] أي: يوقع الشر في قلوبكم

(١) لفظ: (لا إلى) ساقط من (ب).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ١٣٢، ١٣٣، والسمرقندي ١/ ٥٣٣، والماوردي ٢/ ٢٠٤، ٢٠٥، والبغوي ٣/ ٢١٧ - ٢١٨، وابن عطية ٥/ ٤٤٣ وقال: (هذا أصح وأشهر في الشرع) اهـ. وقال الشنقيطي في "تفسيره" ٢/ ٢٩٥: (طلب الشيطان الإنظار إلى يوم البعث، وقد أعطاه الله الإنظار إلى يوم الوقت المعلوم، وأكثر العلماء يقولون: المراد به وقت النفخة الأولى، والعلم عند الله تعالى) اهـ.
(٣) أخرجه الطبري ٨/ ١٣٣ بسند جيد، وذكره السيوطي في "الدر" ٣/ ١٣٥.
(٤) أصل الإغواء: تزيين الرجل للرجل الشيء حتى يحسنه عنده يقال: غَوَى، بالفتح: الرجل يَغْوَى غَيًّا من الغي، خلاف الرشد، والغواية: الانهماك في الغيَّ، ويأتي الغَيَّ بمعنى الفساد والضلال والجهل والخيبة.
انظر: "الطبري" ٨/ ١٣٣، و"الجمهرة" ١/ ٢٤٤، و"تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٠٦، و"الصحاح" ٦/ ٢٤٥٠، و"المفردات" ص ٦٢٠، و"اللسان" ٦/ ٣٣٢٠ (غوى).


الصفحة التالية
Icon