نحوِ ما وصفْنا، فقالَ ـ: إنما أُتِيَ القومُ منْ قِبَلِ العُجْمَةِ (١)» (٢).
ولعلَّ في هذا المثالِ العزيزِ ما يدلُّ على ظهورِ هذه المسألةِ عندَ علماءِ السَّلَفِ، وأنهم كانوا يَعُونَهَا جيداً، حيثُ جعلوا هذه المحتملاتِ الصحيحة الواردةَ على النَّصِّ مقبولةً، ولم يَرُدُّوها.
ولفهم السلف لهذه القاعدة وتعاملهم بها؛ تجد عن بعضهم قولين متغايرين غير متضادين في الآية، وقد يحملها ـ من لا يدرك هذه القاعدة، ولا يفقه أصول التفسير ـ على أنها أقوال متناقضة، وهي ليست كذلك، وليس المجال مجال عرض بعض هذه الأمثلة، لكن أكتفي بمثال عزيز عن حبر الأمة ابن عباس (ت: ٦٤هـ)، فقد ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت: ٤٥] ما رواه ابن أبي حاتم، قال: حدثنا أبي، حدثنا النفيلي، حدثنا إسماعيل عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ قال: «لها وجهان، قال: ذكر الله عندما حرمه، قال: وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه» (٣)، فانظر، كيف نصَّ على وجهين متغايرين في معنى الجملة؟ وما ذاك إلا لإعمال هذه القاعدة الجليلة، وهي تعدد المحتملات الصحيحة للفظ القرآني.
فإن قلت: ألا يفتح هذا باب الوقوع في التفسيرات الباطلة والمحتملات الفاسدة؟
فالجواب: إن هناك أصول علمية من سار عليها، واجتهد في تحقيقها، فإنه يكون قد سار على الطريقة المثلى المرجوَّة، فإن وصل إلى
_________
(١) أخرج البخاري هذا القول عن الحسن البصري بأخصر من ذلك، قال: «أهلكتهم العجمة»، ينظر: التاريخ الكبير (٥: ٩٣).
(٢) السُّنَّة، لمحمد بن نصر المروزي (ص: ٧ - ٨).
(٣) تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: أسعد محمد الطيب (٩: ٣٠٦٨).