٥ - إنَّ هاهنا مسألة خفيَّة، تحتاج إلى تأمُّلٍ، وهي: هل الإعجاز القرآني لازم بهذه القضايا؟
بمعنى: لو كان القرآن نزل بأمورٍ أخرى، ولم يذكر هذه القضايا فإنه يبقى معجزاً، ولا يزول عنه الإعجاز؟
وإذا صحَّ هذا الاستنتاج، فإنه يمكن القول بأنَّ الإعجاز (بمعنى: تحديّ الخلق بأن يأتوا بمثل هذا القرآن) راجع إلى لفظ القرآن ونظمه وبيانه، وليس راجعاً إلى شيء خارج عن ذلك، فما هو بتحدٍّ بالإخبار بالغيب المكنون، ولا بالغيب الذي يأتي تصديقه بعد دهر من تنْزيله، ولا بعلمٍ ما لم يدركه علمُ المخاطبين به من العرب، ولا بشيء من المعاني مما لا يتصل بالنظم والبيان (١).
_________
= فموقع هذه الجملة بصريحها وتعريضها من الجملة التي قبلها موقع التعليل لأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بأن يقول لهم ما أمر به، والتعليل راجع إلى إحالتهم على تشكيكهم في موقفهم للطعن في القرآن. وقد سكت عما يترتب على ظهور الآيات في الآفاق وفي أنفسهم المبينة أن القرآن حقّ لأن ما قبله من قوله: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ ينبئ عن تقديره؛ أي: لا يسعهم إلا الإيمان بأنه حق فمن كان منهم شاكّاً من قبلُ عن قلة تبصُّر حصل له العلم بعد ذلك، ومن كان إنما يكفر عناداً واحتفاظاً بالسيادة افتضح بهتانه وسفَّهه جيرانه» التحرير والتنوير (٢٥: ١٨).
الرابع: إذا كانت الآية عامةٌ، ويصلح تنزيلها على الإعجاز العلمي، فيقع سؤال في هذا العموم، وهو: لماذا لا يدخل في العموم غير الباحثين في الأمور الكونية والتجريبية؟
وإذا كانت الآية عامة، فأين هي الآيات في الآفاق والأنفس التي أريها من يعيشون في أدغال إفريقيا، والأسكيمو وأهل الصين وغيرهم من البلدان في أطراف الأرض.
وإذا كانت الآية عامة، فأين هي الآيات التي أُريها الكفار منذ فجر الإسلام، أين ما رآه أهل فارس، والروم، وأهل مصر، والأندلس، وغيرها من بلدان الكفار آنذاك، وهل تبين لهؤلاء المعاصرين أو أولئك السابقين أن دين الإسلام هو الحق؟!
(١) ينظر في تقرير هذه المسألة: مداخل إعجاز القرآن، للأستاذ المحقق محمود محمد شاكر (ص: ١٥٣ - ١٥٤)، وهو مقدمته لكتاب الظاهرة القرآنية (ص: ٢٥).


الصفحة التالية
Icon