والقَسَمُ في غالب القرآن يأتي بشيء ظاهر للناس، أو بشيء له أثر ظاهر، أو بشيءٍ قد عُلم من طريق السمع؛ كالملائكة.
الوقفة الثالثة: تفسير السلف لهذه الآيات:
لقد ذهب السلف في تفسير هذه الأوصاف إلى مذهبين:
الأول: أنها النجوم والكواكب، ويكون خنوسها بتأخرها عن الظهور أول الليل، وكنوسها بدخولها في ضوء الصباح بعد آخر الليل، وجريانها كائن في كل أحوالها.
الثاني: أنها بقر الوحش والظباء، ويكون خنوسها بتأخرها إذا رأت إنسياً، وكنوسها بدخولها في كِناسها؛ أي: بيتها، وجريانها في الغيطان والحقول.
ويلاحظ على هذين التفسيرين أنهما ذكرا أمراً يعرفه من نزل عليهم الخطاب، ولا يحتاجون فيه إلى أدوات وآلات ليظهر لهم ذلك الأمر الخفي في هذه الأوصاف، وهذا الاختلاف بينهم من قبيل اختلاف التنوع، وجائزٌ أن يراد به هذا أو ذاك، وسببُ الاختلاف الاشتراكُ في الوصف بين النجم والكواكب من جهة، والبقر الوحش والظباء من جهة أخرى.
وإن كان التفسير الأول أنسب لمقام ذكر الآيات الكونية بعدها، غير أن الثاني محتمل أيضاً.
أما الأستاذ الدكتور زغلول النجار، ففهم تفسير السلف على النحو الآتي: «ولا يُعقل أن يكون المقصود في الآية الكريمة للفظ الكنس هي المنْزوية المختفية، فقد استوفى هذا المعنى باللفظ (الخنس)، ولكن أخذ اللفظتين بنفس المعنى دفع بجمهور المفسرين إلى القول بأن معنى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥ - ١٦]: أقسم قسماً مؤكداً