ومن الحقائق المتعلقة بهذا الأمر: أن العلم قد أثبت بالقياس أنَّ خيط العنكبوت أقوى من مثيله من الصُّلب بثلاث مرات، وأقوى من خيط الحرير وأكثر مرونة، وهذا الخيط يحمل أوزاناً أكبر منه بعشرات المرات، فيكون نسيج العنكبوت بالنسبة لاحتياجه وافياً بالغرض وزيادة، وهو بالنسبة إليه قلعة آمنة، وهذا من نتائج تصنيف العلم الحديث للمواد؛ إذ يضع نسيج العنكبوت ضمن مجموعة البوليمرات أو اللدائن الطبيعية، وقد ذكر القرآن بعض المواد مثل المعادن؛ الحديد والذهب والفضة والنحاس، وكذلك الفخاريات؛ كالصخر والجبال والصلصال والطين وغيرها، بالإضافة إلى مجموعة اللدائن، ومن ضمنها خيط العنكبوت وبيوت النحل وغيرها...
الحقيقة الثانية: هي أن العلم كشف مؤخراً أن أنثى العنكبوت هي التي تنسج البيت وليس الذكر، وهي حقيقة بيولوجية لم تكن معلومة أيام نزول القرآن، وإذا ما لاحظنا الآية الكريمة: ﴿اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ [العنكبوت: ٤١]، وتاء التأنيث الساكنة دلالة على الأنثوية؛ أي: هي المسؤولة عن اتخاذ البيت وإدارة شؤونه.
الحقيقة الثالثة: هي أن الضعف والوهن هنا دلالة اجتماعية وليست مادية، ثمَّ إن الآية خُتمت بالقول: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٤]؛ أي: أنهم لا يعلمون هذا، وسيعلمونه مستقبلاً بعد تقدم العلم التطبيقي والتجريبي.
والواقع أن هنا سرّاً بيولوجيّاً كشف عنه العلم، فحقيقة أن بيت العنكبوت هو أبعد البيوت عن وصفه، بالأمان والسكينة والطمأنينة، فالأنثى تقتل ذكرها بعد التلقيح وتأكله، والأبناء يأكلون بعضهم بعد الخروج من البيض. ولهذا يعمد الذكر إلى الفرار بجلده بعد أن يلقح أنثاه، ولا يحاول أن يضع قدمه في بيتها، وتغزل أنثى العنكبوت بيتها ليكون فخّاً وكميناً ومقتلاً لكل حشرة تفكر أن تقترب منه، أو تدخله زائراً


الصفحة التالية
Icon