وهذه الناحية الإعجازية فيها تبيين العلاقة الوثيقة بين قابلية الحجر للتكسّر والضغط العالي للماء في داخل الحجر وكذلك نفاذية الحجر.
الناحية الإعجازية الثانية: هي في الوصف الدقيق للنوع الثاني من الحجارة في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾ [البقرة: ٧٤] هذا الوصف مبني على أن تفاوت الحجارة في قسوتها إنما هو مرتبط بعوامل أخرى غير التركيب الكيمائي للحجارة، وفي هذه الحالة هناك ربط لقسوة الحجارة بالضغط القليل للماء الموجود في المسامات بين الحبيبات المكونة للحجارة. يذكر (إدقر دبليو سبنسر) وصف هذا الربط بأنه تحت ظروف الضغط القليل للماء داخل الحجارة فإن قوة الاحتكاك بين الحبيبات الصغيرة التي تتكون منها الحجارة تكون قليلة جدّاً فتبدأ الحجارة بالتشقق تدريجيّاً في المواضع التي يكون فيها ارتباط الحبيبات ببعضها ضعيفاً فتنفصل الحبيبات وتتباعد عن بعضها البعض دون أن تتكسر الحبيبات نفسها، ومع هذا التشقق تحدث زيادة دائمة في حجم الحجارة مما يجعلها في هذه الحالة من النوع اللدائني (Ductile Rock)، ويتدفق الماء من خلال التشققات بشكل غير عنيف لأن ضغط الماء داخل الحجارة ليس قوياً، ويكون هذا التدفق بكميات قليلة نسبياً لكون الشقوق ليست كبيرة.
وهذا الوصف العلمي لقسوة الحجارة وعلاقتها بالمقادير النسبية لضغط الماء ومعدل تدفقه من الحجارة قد أورده الله تعالى بشكل دقيق في بضع كلمات في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ﴾ فيبدأ بقوله ﴿وَإِنَّ مِنْهَا﴾ أي: وإن من الحجارة نوع آخر في قسوته غير النوع الذي ذكر في الجزء الأول من الآية، ﴿لَمَا يَشَّقَّقُ﴾ أي: لما يتصدع أو يتكون فيه شقوق، وصيغة يشقق هنا فيها دلالة على المطاوعة؛ أي: أن الحجارة شققت بسبب ضغط الماء فتشقق استجابة لهذا الضغط ﴿فَيَخْرُجُ﴾ أي: يسيل ويتدفق من غير اندفاع لأن كلمة يخرج في هذا الجزء من الآية ذكرت في مقابلة ﴿يَتَفَجَّرُ﴾ [البقرة: ٧٤] في الجزء


الصفحة التالية
Icon