وفسَّرَ، ممَّا كانَ تأويلُه إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم دونَ سائرِ أمَّتِه من أخبارِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم الثابتَةِ عنه: إمَّا منْ جهةِ النقلِ المستفيضِ، فيما وُجِدَ فيه من ذلك عنه النقلُ المستفيضُ، وإمَّا منْ جهةِ نقلِ العدولِ الأثباتِ، فيما لم يكن فيه عنه النقلُ المستفيضُ، أو منْ جهةِ الدلالةِ المنصوبةِ على صحتِهِ؛ وأصَحُّهُم برهاناً ـ فيما ترجمَ وبيَّنَ من ذلك ـ مِمَّا كان مُدرَكاً عِلْمُهُ من جهةِ اللسانِ: إمَّا بالشواهدِ منْ أشعارِهِم السائرةِ، وإمَّا منْ منطقِهم ولغاتِهم المستفيضةِ المعروفةِ، كائناً منْ كانَ ذلكَ المتأوِّلُ والمفسِّرُ، بعدَ أنْ لا يكونَ خارجاً تأويلُه وتفسيرُه ما تأوَّلَ وفَسَّرَ منْ ذلك، عنْ أقوالِ السلفِ من الصحابةِ والأئمةِ، والخلفِ من التابعينَ وعلماءِ الأمةِ» (١).
في هذا النَّصِّ ذَكَرَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) ضابطَ التَّفسيرِ اللُّغويِّ عندَهُ، وهو عدمُ خروجِ المفسِّرِ باللُّغةِ عنْ أقوالِ السَّلفِ من الصَّحابةِ والأئمَّةِ، والخلفِ من التَّابعينَ وعلماءِ الأمَّةِ، ويظهرُ من استقراءِ كتابِهِ أنَّ هؤلاءِ الذينَ ذكرَهم بِهذا الوصفِ هم: الصَّحابةُ والتَّابعونَ وأتباعُهم.
أمَّا اللُّغويُّونَ الذين عاصروا أتباعَ التَّابعينَ فإنه كانَ يَرُدُّ أقوالَهم، وإن كانتْ تحتملُها الآية، ويُعَلِّلُ ذلك بخروجها عنْ أقوالِ أهلِ التَّأويلِ، ويعني بهم هؤلاءِ الطَّبقاتِ الثلاث منْ علماءِ الأمَّةِ (٢)، ومثالُ ذلكَ ما أوردَهُ في تفسيرِ قولِه تعالى: ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ [ن: ٢٥]، فقد ذكرَ أقوالَ السلفِ، وهي:
الأول: على قدرةٍ في أنفسِهِم وجِدٍّ، وبه قال ابنُ عباسٍ (ت: ٦٨)، ومجاهدٌ بن جبرٍ (ت: ١٠٤)، والحسنُ البصريُّ (ت: ١١٠)، وقتادةُ (ت: ١١٧)، وابن زيدٍ (ت: ١٨٢).
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١: ٩٣).
(٢) ينظر أمثلةً لذلك في تفسير الطبري، ط: الحلبي (١٦: ١٥٠ - ١٥٣)، (٣٠: ١٦٣).