أو كثيراً، فمن القليلِ: نطفةُ الإنسانِ» (١).
والأمثلة من هذا النوع كثيرة جداً يصعبُ حصرُها. ومن الملاحظ أنَّ الطبريَ (ت: ٣١٠) يَعْمَدُ إلى تحليلِ الألفاظِ تحليلاً معجمياً، وذلك بتوجيه الكلمةِ إلى أصلِها، أو مفارقتِها عن شبيهِها، أو غير ذلك من الأساليبِ التي اتخذها أصحابُ معاجمِ اللغةِ في بيانِ دلالةِ الألفاظِ العربيةِ، ومنْ ذلكَ:
١ - قال في تفسيرِ المقاليد من قوله تعالى: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [الزمر: ٦٣]: «يقولُ تعالى ذِكْرُهُ: له مفاتيحُ خزائنِ السَّماواتِ والأرضِ، يفتحُ منها على من يشاءُ، ويمسكُها عمَّنْ أحبَّ منْ خلقِهِ. واحدها: مِقْلِيدٌ، وأمَّا الإقْلِيدُ: فواحدُ الأقالِيدِ» (٢).
٢ - وقالَ: «وقولُه: ﴿مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى﴾ [النجم: ٢]، يقول تعالى ذِكرُه: ما حادَ صاحبُكُم أيها الناسُ عن الحقِّ ولا زالَ عنه، ولكنه على استقامةٍ وسدادٍ.
ويعني بقوله: ﴿وَمَا غَوَى﴾: وما صارَ غَوِيّاً، ولكنه رشيدٌ سديدٌ، يقال: غَوَى يَغْوَى: من الغَيِّ، وهو غاوٍ. وغَوِيَ يَغْوَى من اللَّبن: إذا بَشِمَ» (٣).
٣ - وقال في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦]: «يقول تعالى ذِكره: ومن يعرض عن ذكر الله فلم يخفْ سطوته، ولم يخش عقابه، ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦] يقول: نجعلُ لهُ شيطاناً يُغْوِيهِ فهو له قرينٌ، يقول: فهو للشيطانِ قرينٌ؛ أي: يصيرُ كذلكِ.
وأصلُ العَشْوِ: النَّظَرُ بغيرِ ثَبْتٍ لِعِلَّةٍ في العينِ، يقالُ منه: عَشَا فلانٌ
_________
(١) العباب الزاخر، حرف الفاء (ص: ٦٠١).
(٢) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٤: ٢٣).
(٣) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٧: ٤١).