يَعْشُو عَشْوَا وَعُشُوًّا: إذا ضَعُفَ بصرُهُ وأظلمتْ عينُه كأنَّ عليهِ غشاوةً؛ كما قالَ الشاعرُ (١):

مَتَى تَاتِهِ تَعْشُو إلى ضَوءِ نَارِهِ تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تَأَجَّجَا
يعني: متى تفتقرْ فتأتِهِ يُعِنْكَ.
وأمَّا إذا ذهب البصر ولم يُبصرْ، فإنَّه يقال فيه: عَشِيَ فلانٌ يَعْشَى عَشىً منقوصٌ، ومنه قول الأعشى (٢):
رَأَتْ رَجُلاً غَائِبَ الوافِدَينِ مُخْتَلِفَ الخَلْقِ أعْشى ضَرِيراً
يقال منه: رجلٌ أعشى وامرأة عشواء.
وإنما معنى الكلام: ومن لا ينظر في حجج الله بالإعراض منه عنه، إلاَّ نظراً ضعيفاً، كنظر من قد عَشِيَ بصرُه، نقيض له شيطاناً» (٣).
وهذا النَّمط في كتابه كثيرٌ، وهو يُعَدُّ بهذا النَّمطِ الَّذي سلكه في التَّفسيرِ اللُّغويِّ من أصحاب المعاجم الذين دَوَّنوا ألفاظَ اللُّغةِ؛ كعَصْرِيِّه ابن دريد
_________
(١) ورد البيت منسوباً للحطيئة في الكتاب، لسيبويه (١: ٤٤٥)، وغريب القرآن، لابن قتيبة (ص: ٣٩٨)، وهو في ديوانه (ص: ٨١) كالآتي:
مَتَى تَاتِه تَعْشُوا إِلى ضَوءِ نَارِه
تَجِدْ خَيرَ نَارٍ، عِنْدَهَا خَيرُ مُوقِدِ
وعجز البيت الذي ذكره الطبري منسوب إلى عبيد الله بن الحُرِّ، والبيت بتمامه في الكتاب، لسيبويه (١: ٤٤٦):
مَتَى تَاتِنَا، تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيارِنَا،
تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً، ونَاراً تَأجَّجا
ويظهر أنَّ الطبري ركَّبه من هذين البيتين، أو تكون روايته التي بلغته هكذا، والله أعلم.
ينظر: قول محقق تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٥: ٧٢)، وينظر في البيتين ونسبهما: خزانة الأدب، للبغدادي تحقيق عبد السلام هارون (٩: ٩٠)
(٢) البيت في ديوان الأعشى، تحقيق حنَّا نصر (ص: ١٦١)، وقال المحقق في معنى «غائب الوافدين»: فاقد بصر العينين.
(٣) تفسير الطبري، ط: الحلبي (٢٥: ٧٢ - ٧٣).


الصفحة التالية
Icon