منَ العلمِ بالقرآنِ والسُّنَّةِ والفُتْيَا بسببٍ، حتى لا غَنَاءَ بأحدٍ منهم عنه، وذلك أنَّ القرآنَ نازلٌ بلغةِ العربِ، ورسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم عربيٌ.
فَمَنْ أرادَ معرفةَ ما في كتابِ اللهِ جلَّ وعزَّ، وما في سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم من كلِّ كلمةٍ غريبةٍ أو نَظْمٍ عجيبٍ، لم يجدْ مِن العلمِ باللغةِ بُدًّا» (١).
وقالَ الشَّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «لا بُدَّ في فَهْمِ الشَّريعةِ من اتباعِ معهودِ الأمِّيِّينَ، وهم العربُ الذين نزلَ القرآنُ بلسانِهم، فإنْ كانَ للعربِ في لسانِهم عُرْفٌ مُستمِرٌّ فلا يَصِحُّ العدولُ عنه في فَهْمِ الشَّريعةِ، وإنْ لم يكنْ ثَمَّ عُرْفٌ، فلا يَصِحُّ أنْ يُجْرَى في فَهْمِهَا على ما لا تعرفُه، وهذا جَارٍ في المعاني والألفاظِ والأساليبِ» (٢).
ويُفهمُ من ذلك أنَّ معرفةَ اللُّغةِ العربيَّةِ شرطٌ في فَهْمِ القرآنِ؛ لأنَّ من أرادَ تفسيرَه، وهو لا يَعْرفُ اللُّغةَ التي نزلَ بها القرآنُ، فإنه لا شَكَّ سيقعُ في الزَّلَلِ، بل سيحرِّف الكَلِمَ عن مَواضِعِهِ، كما حصلَ من بعضِ المبتدعةِ الذين حملوا القرآنَ على مصطلحاتٍ أو مدلولاتٍ غيرِ عربيَّةٍ.
وإليك هذه الأمثلة التي تدلُّ على أثرِ الغفلةِ عن دلالةِ اللَّفظِ، أو جهلِ معناه في لغة العرب:
* أسندَ أبو سليمان الخطَّابي (ت: ٣٨٨) (٣) عن مالكِ بنِ دينارٍ (ت: ١٢٧) (٤)،
_________
(١) الصاحبي في فقه اللغة، تحقيق: السيد أحمد صقر (ص: ٥٠).
(٢) الموافقات، للشاطبي، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد (٢: ٥٦).
(٣) حَمْدُ بن محمد الخطابي (نسبة إلى زيد بن الخطاب)، أبو سليمان، الحافظ، من شيوخه القَفَّال الشافعي، وكان ذا رحلة في طلب العلم، وله تصانيف مشهورة، منها: إعجاز القرآن، وغريب الحديث، وشأن الدعاء، وغيرها، توفي سنة (٣٨٨). ينظر: معجم الأدباء (١٠: ٢٦٨ - ٢٧٢)، وشذرات الذهب (٣: ١٢٨).
(٤) مالك بن دينار البصري، أبو يحيى، روى عن أنس وسعيد بن جبير والحسن البصري، وكان يكتب المصاحف بالأجرة، توفي سنة (١٢٧). ينظر: الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (٨: ٢٠٨)، وغاية النهاية في طبقات القراء، لابن الجزري (٢: ٣٦).


الصفحة التالية
Icon