فأمَّا أنْ يكونَ قولُه: ﴿أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ في (١) القُدْرَةِ فلا يجوزُ؛ لأنَّ منْ ظَنَّ هذا كَفَرَ، والظَنُّ: شَكٌّ، والشَّكُّ في قُدْرَةِ اللهِ كُفْرٌ، وقد عَصَمَ اللهُ أنبياءه عن مثلِ ما ذهب إليه هذا المتأوِّلُ. ولا يتأولُه إلا الجاهلُ بكلامِ العربِ ولغاتِها» (٢).
* قال الأخفشُ (ت: ٢١٥) في قوله تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٣]: «يعني، واللهُ أعلمُ، بالنَّظرِ إلى اللهِ: إلى ما يأتيهم من نِعَمِهِ ورِزْقِهِ، وقد تقولُ: واللهِ ما أنظرُ إلاَّ إلى اللهِ وإليك؛ أي: أنتظرُ ما عند اللهِ وعندك» (٣).
_________
(١) نقل ابن منظور في كتابه لسان العرب هذا الموضع عن الأزهري، وجاء فيه: «من القدرة»، بدلاً عن: «في القدرة»، وهذا أصحُّ وأوضحُ للعبارة، ولعل الذي في التهذيب سبق قلم من ناسخ المخطوطة، أو من الطابع، والله أعلم.
(٢) تهذيب اللغة (٩: ٢١).
(٣) معاني القرآن، للأخفش، تحقيق: هدى قراعة (٢: ٥٥٨)، والمعروف أنَّ الأخفش كان معتزلياً (ينظر مقدمة الدكتورة هدى قراعة لكتابه: ١: ١٦ - ١٨)، وسيأتي تفصيلُ ذلك في الكلامِ عن كتابِه في مصادر التفسير.
هذا، ولم أجد من نصَّ على هذا التأويل في هذه الآية قبل الأخفش، سوى مجاهدٍ وأبي صالح (ينظر الرواية عنهما في تفسير الطبري: ط: الحلبي: ٣٠: ١٩٢ - ١٩٣)، ومن فقه الإمام ابن جرير أنه أورد ـ بعد الروايات عن مجاهد ـ أثر مجاهد عن ابن عمر، فيه النصُّ على رؤية الله سبحانه، وكأنه يشير إلى مخالفة مجاهد لشيخه ابن عمر، والله أعلم. ولم أجد سبباً يدعو مجاهداً وأبا صالحٍ لهذا التأويل الغريبِ.
وقد ورد في «غريب القرآن» (ص: ٣٥٩) المنسوب لزيد بن علي (١٢٠) ما نصُّه: «ناظرة: منتظرة للثواب، قال الإمام زيد بن علي عليهما السلام: إنما قوله: ﴿نَاظِرَةٌ﴾: إلى أمر ربها، ناظرة من النعيم والثواب». ولا يوثق بهذا النقل عن زيد بن علي رحمه الله؛ لأن الواسطي راوي الكتاب كذاب، وستأتي الإشارة إليه في الحديث عن كتب غريب القرآن.
هذا، وقد تتابع المعتزلة على هذا التأويل كما هو ظاهر من كتبهم، مثل:
* القاسم بن إبراهيم الرسي (ت: ٢٤٦) في كتاب التوحيد والعدل (ضمن رسائل في التوحيد والعدل، أخرجها: سيف الدين الكاتب)، ينظر: (ص: ٢٦٠ - ٢٦١).
* القاضي عبد الجبار (ت: ٤١٥) في كتابه متشابه القرآن، تحقيق: عدنان زرزور (٢: ٦٧٣ - ٦٧٤).
* الزمخشري (ت: ٥٣٨) في كتابه الكشاف (٤: ١٩٢).