قال الأزهري (ت: ٣٧٠): «ومن قالَ: إنَّ معنى قوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٣] بمعنى: منتظرة، فقد أخطأَ؛ لأنَّ العربَ لا تقولُ: نظرتُ إلى الشيءِ، بمعنى: انتظرتُه، إنما تقول: نظرتُ فلاناً؛ أي: انتظرتُه، ومنه قول الحطيئة (١):
وَقَدْ نَظَرْتُكُمْ أَبْنَاءَ صَادِرَةٍ
لِلْوِرْدِ طَالَ بِهَا حَوْزِي وتَنْسَاسِي
فإذا قلتَ: نَظَرْتُ إليه، لم يكنْ إلاَّ بالعينِ» (٢).
وإنما وقعَ الخطأُ في تفسيرِ هذه الألفاظِ بسببِ جهلِ لغةِ العربِ، ولذا شَدَّدَ العلماءُ النَّكيرَ على من فَسَّرَ القرآنَ وهو جاهلٌ بلغةِ العربِ، ومن ذلك ما رُوِيَ عن مجاهدٍ (ت: ١٠٤) أنه قال: «لا يَحِلُّ لأحدٍ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ يتكلمَ في كتابِ اللهِ، إذا لم يكنْ عالماً بلغاتِ العربِ» (٣).
وقال مالك بن أنس (ت: ١٧٩) (٤): «لا أُوتَى بِرَجُلٍ يُفَسِّرُ كلامَ اللهِ، وهو
_________
(١) جرول بن أوس بن جُؤَيَّة، أبو مليكة، الحطيئة، أحد فحول الشعراء، وكان سفيهاً شريراً، هجَّاءً، وكان راوية زهير، وكان ممن ارتد، ثمَّ رجع عن ارتداده. ينظر: الشعر والشعراء، لابن قتيبة (١: ٣٢٢ - ٣٢٨)، وخزانة الأدب، للبغدادي (٢: ٤٠٦ - ٤١٣).
والبيت في ديوانه، برواية وشرح ابن السكِّيت، تحقيق: نعمان محمد أمين عطية (ص: ٤٦)، وفيه بدل «أبناء»: أعشاء، وبدل «للورد»: للخِمْسِ. وفسَّر ابن السكيت الحَوزَ بالسَّوقِ قليلاً قليلاً، والتنساس، بالسَّوقِ، ويقال: العطش، وذكر أنه يروى: إيناء؛ أي: إبطاء. ومن ثمَّ فقد يكون ما في التهذيب تصحيفاً، أو يكونُ روايةً ثالثةً للبيتِ، واللهُ أعلمُ.
(٢) تهذيب اللغة (١٤: ٣٧١).
(٣) البرهان في علوم القرآن (١: ٢٩٢)، ولم أجد مصدراً قبله نقله عن مجاهدٍ.
(٤) مالك بن أنس الأصبحي، المدني، المحدث، أحد الأئمة الأربعة في الفقه، وإليه تنسب المالكية، كان مُعَظَّماً، قصده الخليفة هارون الرشيد، وجلس بين يديه للعلم، فحدَّثه، وجرت له محنة، وله تفسير للقرآن، توفي سنة (١٧٩). ينظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض (١: ١٠٢ وما بعدها)، معجم المفسرين، لعادل نويهض (٢: ٤٦٠).