لا يعرفُ لغةَ العربِ، إلاَّ جعلتُه نكالاً» (١).
وهذا يدلُّ على ظهورِ أثرِ معرفةِ لغةِ العربِ للمفسِّرِ عند هؤلاء الأعلامِ الأجلاءِ، ومن زعمَ أنه قادرٌ على فهمِ كلامِ اللهِ من غيرِ معرفةٍ بلسانِ العربِ، فقدْ قالَ مُحَالاً، وأَعْظَمَ الفِرْيَةَ، ولذا قال أبو الوليدِ بنِ رشدٍ (ت: ٥٢٠) (٢) ـ في جوابٍ له عَمَّنْ قال: إنه لا يحتاجُ إلى لسانِ العربِ ـ: «هذا جاهلٌ، فلينصرفْ عن ذلك، ولْيَتُبْ منه، فإنه لا يصلحُ شيءٌ من أمورِ الديانةِ والإسلامِ إلا بلسانِ العربِ، يقولُ اللهُ تعالى: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥]، إلاَّ أنْ يُرَى أنَّه قال ذلك لِخُبْثٍ في دينِه، فيؤدبُه الإمامُ على قولِه ذلك بحسبِ ما يَرى، فقد قالَ عظيماً» (٣).
ومن أعظمِ من زعمَ أنه لا يُحتَاجُ إلى لغةِ العربِ الباطنيةُ (٤)، لكي يتسنَّى لهم تحريفُ كتابِ اللهِ سبحانَه على ما يريدون، مما لا يضبطُه لغةٌ ولا عقلٌ ولا نقلٌ. قال يحيى العلوي (ت: ٧٤٥) (٥): «اِعلم أنَّ فريقاً من أهلِ الزيغِ،
_________
(١) رواه بسنده إلى مالك كلٌ من: البيهقي في شعب الإيمان (٥: ٢٣٢)، والواحدي في تفسيره البسيط، رسالة دكتوراه تحقيق، محمد الفوزان (١: ٢١٩)، وأبو ذر الهروي في ذم الكلام، تحقيق: محمود غنيم (ص: ٢١٢).
(٢) محمد بن أحمد (جدُّ الفيلسوف) أبو الوليد بن رشد، القرطبي، المالكي، كان فقيهاً، عارفاً بالفتوى، بصيراً بأقوال أئمة المالكية، من تآليفه: المقدمات، والبيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل، وغيرها، توفي سنة (٥٢٠). ينظر: الصلة، لابن بشكوال (٢: ٥٧٦ - ٥٧٧)، وسير أعلام النبلاء (١٩: ٥٠١ - ٥٠٢).
(٣) التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (١: ٢٠).
(٤) الباطنية: قوم يقولون بأن للشريعة ظاهراً وباطناً، وأن المقصود منها الباطن، وأن المتبع للظاهر معذب بالمشقة في الاكتساب، وهم من أشَرِّ الفرق، ولهم فروع متعددة؛ كالإسماعيلية، والقرامطة، وغيرهما. ينظر: الملل والنحل، للشهرستاني، تحقيق: عبد العزيز الوكيل (ص: ١٩٢)، وكشاف اصطلاحات الفنون (٤: ٣ - ٤).
(٥) يحيى بن حمزة بن علي، المؤيد بالله، الزيدي، من نسل الحسين بن علي، دعا لنفسه بالإمامة بعد موت المهدي بن المطهر سنة (٧٢٩)، وعورض في الإمامة، إلاَّ أنَّ أهل اليمن أجابوه لِما علموا من عدله وزهده، وله كتب كثيرة؛ منها: الطراز المتضمن =