وقد نبَّه إلى هذا أبو النَّصْرِ السَّمَرْقَنْدِي (١) في كتابِه «المدخل لعلم تفسيرِ كتاب الله تعالى»، فجعلَ فيه باباً بعنوانِ: «ما جاءَ عنْ أهلِ التَّفسيرِ ولا يوجدُ له أصلٌ عندَ النَّحويين ولا في اللغةِ» (٢).
وقد ذكرَ أمثلةً لهذه المسألةِ، ومنها: «... كما جاءَ عن الأئمَّةِ في تفسيرِ بعضِ الآياتِ مما يشكلُ على أهلِ اللُّغة أصلُها وبناؤها؛ كقوله تعالى: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ﴾ [هود: ٧١]، قالَ بعضُ المفسِّرينَ: معناه: حَاضَتْ.
فأينَ مَحَلُّ حاضتْ منْ ضَحِكَتْ في اللُّغةِ؟! إلاَّ ما حُكِيَ منْ بعضِ أهلِ اللُّغةِ أنه قالَ: ضَحِكَتِ الأرنبُ: إذا خرجَ مِنْ قُبُلِهَا دَمٌ، كان (٣) هذا استعارةً من ذلك، والله أعلم»
(٤).
وفي تفسيرِ قولِه تعالى: ﴿فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ [يوسف: ٣١] ذَكَرَ الأزهريُّ (ت: ٣٧٠) قولاً عن ابنِ عباسٍ (ت: ٦٨)، وهو: «أكبرنه: حِضْنَ» (٥). ثمَّ قال: «فإنْ صَحَّتِ الرِّوايةُ عنِ ابنِ عباسٍ سَلَّمْنَا له، وجعلْنَا الهاءَ في قولِه: ﴿أَكْبَرْنَهُ﴾ هاءَ وَقْفَةٍ، لا هاءَ كنايةٍ، واللهُ أعلمُ بما أراد» (٦).
ولهذا فإنَّكَ تَجِدُ بعضَ اللُّغويينَ يذكرُ أنَّ بعضَ الألفاظِ لم تُعرفْ دلالتُها
_________
(١) أحمد بن محمد بن أحمد، أبو النصر السمرقندي، المعروف بالحدادي، قرأ على أبي سعيد السيرافي وابن مهران، له باع في علم القرآن والتفسير والعربية، ومن كتبه: الموضح لعلم القرآن، والمدخل لعلم تفسير كتاب الله، توفي (بعد: ٤٠٠)، ينظر: غاية النهاية (١: ١٠٥).
(٢) المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى (ص: ٩٨).
(٣) لعلها: كأنَّ.
(٤) المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى (ص: ١٠٥ - ١٠٦). وينظر فيه أمثلة أخرى (ص: ٩٨ - ١١٢).
(٥) ينظر الرواية عنه في تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٦: ٧٦)، وهي روايةٌ ضعيفةٌ عنه، ينظر تعليق محمود شاكر رحمه الله.
(٦) تهذيب اللغة (١٠: ٢١٢). وينظر: المدخل لعلم تفسير كتاب الله تعالى (ص: ١٠٦).


الصفحة التالية
Icon