في أيام معاوية- كان له ابن اسمه "عبيد الله"، وكان يلحن في قراءته فقال زياد لأبي الأسود: إن لسان العرب دخله الفساد، فلو وضعت شيئا يصلح الناس به كلامهم ويعرفون به القرآن، فامتنع أبو الأسود فأمر زياد رجلا يجلس في طريق أبي الأسود، فإذا مر به قرأ شيئا من القرءان وتعمد اللحن، فقرأ الرجل عند مرور أبي الأسود به: ﴿إِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ ١ بخفض اللام من ﴿رَسُولُهُ﴾ فاستعظم ذلك أبو الأسود وقال: معاذ الله أن يتبرأ من رسوله، فرجع من فوره إلى زياد وقال له: قد أجبتك إلى ما سألت، فاختار رجلا عاقلا فطنا وقال له: خذ المصحف وصباغا يخالف لون المداد، فإذا فتحت شفتي فانقط فوق الحرف نقطة، وإذا ضممتهما فانقط أمامه، وإذا كسرتهما فانقط تحته، فإذا اتبعته بغنة يعني تنوينا فانقط نقطتين، فبدأ بأول المصحف حتى أتى على آخره، فكان ضبط أبي الأسود نقطا مدورا كنقط الإعجام، إلا أنه مخالف له في اللون، وأخذ ذلك عنه جماعة، وأخذه منه الخليل، ثم إن الخليل اخترع نقطا آخر يسمى المطوع، وهو الأشكال الثلاثة المأخوذة من صور حروف المد، وجعل مع ذلك علامة الشد شينا أخذها من أول شديد، وعلامة الخفة جاء أخذها من أول خفيف، ووضع الهمزة والإشمام والروم فأتبعه الناس على ذلك إلى زمن الناظم، فلذلك اختاره في هذا النظم، واستمر العمل به إلى وقتنا هذا لكن مع بعض تغيير فيه كما ستقف عليه، ثم قال:

القول في أحكام وضع الحركة في الحرف كيفما أتت محركة
أي هذا القول في صفات وضع الحركة المصاحبة للحروف كيفما جاءت تلك الحروف محركة أي بالفتح، أو بالضم، أو بالكسر فقوله: "أحكام" بفتح الهمزة جمع حكم بمعنى الصفة، ويروى بكسر الهمزة على أنه مصدر بمعنى الإتقان، والمراد بالحركة الجنس الشامل للفتحة، والضمة، والكسرة، و"في" من قوله "في الحرف" للمصاحبة مثلها في قوله تعالى: ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾ ٢ أي مع أمم و"أل" في الحرف للاستغراق، فيدخل فيه جميع الحروف حتى حروف فواتح السور نحو: ﴿المَّ﴾ ٣ و ﴿قَ﴾ ٤ و ﴿نُ﴾ ٥، فتضبط
١ سورة التوبة: ٩/ ٣.
٢ سورة الأعراف: ٧/ ٣٨.
٣ سورة البقرة: ٢/ ١.
٤ سورة ق: ٥٠/ ١.
٥ سورة ن: ٦٨/ ١.


الصفحة التالية
Icon