تنبيهان:
الأول: اختلاف في عدد المصاحف١ العثمانية، فالذي عليه الأكثر أنها أربعة أرسل منها سيدنا عثمان مصحفا إلى الشام، ومصحفا إلى الكوفة، ومصحفا إلى البصرة، وأبقى مصحفا بالمدينة، وقيل: خمسة، الأربعة المذكورة، والخامس أرسله إلى مكة، وقيل ستة، الخمسة المتقدمة، السادس أرسله إلى البحرين، وقيل: سبعة، الستة المتقدمة والسابع أرسله إلى اليمن، وقيل: ثمانية، السبعة المتقدمة، والثامن هو الذي جمع فيه سيدنا عثمان القرآن أولا، ثم نسخ منه المصاحف، وهو المسمى بالإمام، وكان يقرأ فيه، وكان في حجره حين قتل، ولم يكتب سيدنا عثمان واحدا منها، وإنما أرم بكتابتها، وكانت كلها مكتوبة على الكاغط إلا المصحف الذي كان عنده بالمدينة، فإنه على رق الغزال.
واعلم: أن الأئمة لم يلتزموا النقل عن المصاحف الثمانية مباشرة، بل ربما نقلوا عن مصحف منها بعينه، وربما نقلوا عن المصاحف مع حكاية إجماعها أو دونه، وربما نقلوا عن المصاحف المدنية أو الملكية، أو الشامية، أو العراقية اعتمادا منهم على أن المظنون بمصاحف الأمصار متابعة كل واحد منها مصحف مصره العثماني، ولم يعهد منهم النقل عن مصحفي اليمن والبحرين لنقل الجعبري عن أبي علي عثمان -رضي الله عنه- أمر زيد بن ثابت أن يقرأ بالمدني، وبعث عبد الله بن السائب مع المكي، والمغيرة بن شهاب مع الشامي، وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي، وعامر بن قيس مع البصري، وبعث مصحفا إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، فلم نسمع لهما خبرًا، ولا علمنا من أنفذ معهما، قال: ولهذا انحصر الأئمة السبعة في الخمسة الأمصار، ثم قال الجعبري: والاعتماد في نقل القرآن متفقا ومختلفا على الحفاظ، ولهذا أنفذهم إلى أقطار الإسلام للتعلم، وجعل هذه المصاحف أصولا ثواني، وحرصا على الإنقاذ، ومن ثم أرسل إلى كل إقليم المصحف الموافق لقراءة قارئة في الأكثر، وليس لزاما كما توهم، "انتهى".

١ المصاحف "١٩-٢٠" لأبي عبد الله بن أبي داود، تحقيق آرثر جفري، ط. الرحمانية، القاهرة، ١٣٥٥هـ.


الصفحة التالية
Icon