ما يتعلق به من العلوم) ثم رجع مرة أخرى وقال: (ولقد أودعته من كل فن من فنون علم القرآن اللباب المرغوب فيه دون القشر المرغوب عنه).
وهذا يشير إلى ما ذكرته سابقاً من أن إدخال مسائل بعض أنواع علوم القرآن من مقاصد ابن جزي في تفسيره هذا.
ثم قال: (من غير إفراط ولا تفريط) كأنه يقول: جعلته وجيزاً مختصراً ليس فيه ذلك الحشو ولا ذلك التطويل.
ثم قال: (ثم إني عزمت على إيجاز العبارة وإفراط الاختصار وترك التطويل والتكرار)، بدأ بذكر الأسلوب الكتابي الذي سينتهجه في عباراته في هذا التفسير (١).
ثم قال رحمه الله: (الفائدة الثانية: ذكر نكت عجيبة وفوائد غريبة قلما توجد في كتاب؛ لأنها من نبات صدري، وينابيع ذكري، ومما أخذته عن شيوخي رضي الله عنهم، أو مما التقطته من مستظرفات النوادر، الواقعة في غرائب الدفاتر).
_________
(١) وقد لاحظ صاحب كتاب «منهج ابن جزي في التفسير» أن هذا الإفراط في الاختصار قد يصل إلى أن يكون فيه غموض في العبارة، والكاتب ـ وهو يكتب أحياناً ـ يكتب ما في ذهنه، فيُحسُّ ـ وهو يكتب ـ أنه قد أبان العبارة، وأن من سيقرأ له سيفهم عنه، والواقع أن العبارة قد تكون مضغوطة جداً وتحتاج إلى فكٍّ واستشراح، لذا تجد في بعض عبارات العلماء بسبب هذا الإفراط في الاختصار وضغط العبارة؛ تجد أن من يأتي بعدهم يتعبُ، بل قد يحارُ في فَكِّ هذه العبارة.
ومن كُتب التفسير التي تتميز بضغط العبارة، واحتياجها إلى استشراح وفكٍّ = تفسير البيضاوي (ت٦٨٥هـ)، ففي بعض عباراته ضغط شديد يصل إلى حد الغموض؛ ولعل هذا الغموض في العبارة أحد أسباب اعتماد هذا الكتاب منهجاً تدريسياً عند علماء الأتراك بحيث إن الطالب يحتاج إلى المعلم لفك عبارات هذا الكتاب.
ونجد هذا أيضاً في «تفسير الجلالين» في بعض المواطن، فالإفراط في الاختصار إذا كان مؤدياً إلى الغموض فإنه يعد من عيوب التأليف؛ لأن المقصد من التأليف أن يفهم الطالب، وليس المقصد أن يبحث الطالب عن المراد من هذه العبارة ولماذا وردت هكذا؟