على مرِّ العصور، وفي جميع الأقطار، جيلاً بعد جيل، وما زاد أحد فيه شيئاً، ولا نقصوا منه شيئاً، وفي ذلك عبرة لمن يطعن في نقل القرآن ـ لو كان يعتبر ـ ذلك أن البشر لو تمالؤوا على حفظ كتاب مثله فإنهم لا يستطيعون ذلك، وشاهد ذلك تلك المخطوطات التي تكون للكتاب الواحد، فانظر كم هي الفروق التي تقع بينها؟
وإن كتاب الله المنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم يتميز عن غيره من كتب الله بميزة الحفظ من النقص والزيادة والتحريف والتبديل، أما كتب الله السابقة، فهي إما من المفقود الذي لا يعرف له أثر، وإما مما استُحفظ عليه البشر، ووكلت المهمة إليهم، فما قاموا بها، بل وقع التبديل والتحريف عندهم، كما وردت الإشارة إليه في القرآن في قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيدِيهِمْ وَوَيلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة: ٧٩]، وقوله: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ [النساء: ٤٦] ولا يمكن أن تجد كتاباً من كتب اليهود والنصارى مما ينسبونه إلى أنبيائهم عليهم السلام هو باللغة التي نزل بها، بل كلها مترجمة، ولا يوجد منها شيء بلغته الأولى، مما أعطى مجالاً لمن استُحفظوا على هذه الكتب أن يقع عندهم التحريف والتبديل، أما القرآن فإنه يتلى باللغة نفسها التي نزل بها، فلله الحمد والمنة.
والمقصود: أنه لا خوف علينا نحن المسلمين من نقاش هذا الموضوع، وإنه إن لم يزدنا قناعة بما عندنا، فإنه لن يغير من الواقع شيئاً، والله الموفق.
ومشكلة مصطلح التواتر، وظهوره بين المتكلمين مشكلة معروفة، وقد أحدثت مشكلات علمية في علم الحديث والاعتقاد وغيرهما، وانجرَّ ذلك على أسانيد القراءة، وغيرها، مما يحتاج إلى إعادة النظر في مفهوم