وهذه الآثار تدلُّ على أن الصحابة أخذوا ترتيب السور من النبي صلّى الله عليه وسلّم.
وكان من أعلمهم بترتيبها زيد بن ثابت (ت٤٥هـ) الذي كان من أخص كتَّابِ المصحف بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، هذا مع ما ذُكر أنه قد حضر العرضة الأخيرة (١)، لذا فهو أبصر بأمور المصحف من غيره من الصحابة، ولعله لهذا السبب كان في لجنة المصحف في عهد أبي بكر رضي الله عنه، ثم في عهد عثمان رضي الله عنه.
والصحيح أن مصحف أبي بكر كان مرتب السور، وذهب بعض العلماء الكبار أنه لم يكن مرتب السور، ويقولون: كان مرتب الآيات باتفاق، والذين قالوا بأن ترتيب السور كان بالاجتهاد اعتمدوا على مجموع أدلة نذكرها، ثم نذكر الرد عليها بإيجاز:
١ - منهم من ذكر أن مصاحف الصحابة رضي الله عنهم مختلفة بالترتيب.
والجواب عن ذلك أن يقال:
أولاً: إن مصاحف الصحابة رضي الله عنهم خاصة بهم، ولم يلزم واحد منهم بما في مصحفه من الترتيب؛ لأنه كان يكتبه لنفسه، والصحابي عندما كان يكتب لم يكن ملتزماً بالترتيب، وإنما وقع الالتزام بذلك بعد مصاحف عثمان رضي الله عنه المتفق عليها (٢).
_________
(١) العرضة الأخيرة هي آخر قراءة للنبي صلّى الله عليه وسلّم على جبريل عليه السلام، وقراءة جبريل عليه أيضاً، وقد ورد في الحديث الصحيح، ومن ذلك ما ورد في صحيح البخاري، قال: «باب: كَانَ جِبْرِيلُ يَعْرِضُ الْقُرْآنَ عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وَقَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عليها السلام: أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم: أن جبريل كان يعارضني بالقرآن كل سنة، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي».
(٢) أي: بمصاحفه الستة التي كتبها، ولم يقع فيها خلاف في ترتيب السور، بل جاءت على نسق واحد في ذلك.


الصفحة التالية
Icon