صارت خمسة عشر قولاً بين التفسير والتأويل لكان المعنى واضحاً في الفرق بين التفسير والتأويل.
فإن قال قائل: هل التفسير هو التأويل؟
نقول: (نعم) باعتبار، و (لا) باعتبار، فإذا كان مرادك بالتأويل كشف معنى الكلام صار في معنى التفسير، وإذا كان مرادك بالتأويل ما تؤول إليه حقيقة هذا الكلام، فهذا غير التفسير.
في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢].
التأويل بمعنى التفسير: يخبر الله أنه يُخرج للناس في آخر الزمان دابة من دواب الأرض....
التأويل بمعنى ما تؤول إليه حقيقة الشيء منه (شكل الدابة ولونها وطولها ومتى تخرج)، وهذا التأويل بمعنى ما تؤول إليه حقيقة الشيء لا يمكن إدراكه إلا إذا وقع. والتأويل بهذا المعنى لا علاقة له بالتفسير؛ لأن التفسير بيان المعاني، وإدراك الحقيقة خارج عن بيان المعاني، لكن لا يعني أن هذه الحقيقة لا معنى لها، بل لها معنى، لكن النظر هنا إلى كيفيتها وليس إلى معناها.
أما الآية التي وقع فيها الخلاف هي قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٧] فإن قلنا: إن المراد بالتأويل التفسير، فإن المتشابه يعلمه الله سبحانه ويعلمه العلماء، لكن المتشابه هنا هو المتشابه في المعاني.
وجمهور الأمة يعرفون معاني القرآن من حيث جملتهم، وليس هناك معنى يخفى على الجميع، وإن خَفِي على بعضهم فإن غيرهم من العلماء يعلمونه، ويكون الخفاء على بعضهم من قبيل المتشابه النسبي؛ أي: هو بالنسبة لمن خَفِيَ عليه متشابه، وبالنسبة لمن علِمه محكم، وهذا يدخل في التأويل الذي هو بمعنى التفسير.