وسأذكر لك بعض أمثلةٍ من المناسبات:
* مناسبةُ سورةِ الرَّحمن لسورة القَمَر، فقد وردَ في آخرِ سورةِ القَمَرِ قوله تعالى: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٥]، وابتدأت سورةُ الرَّحمن بقوله تعالى: ﴿الرَّحْمَانُ﴾ [الرحمن: ١]، وواضحٌ ما بينهما من المناسبةِ، فالمليكُ المقتدرُ هو الرحمنُ (١).
* وفي مناسبة تسمية البقرة بهذا الاسم سِرٌّ لطيفٌ (٢)، إذ قد يقول قائلٌ: إنَّ في قصَّةِ البقرةِ إحياءَ ميِّتٍ، فسُمِّيتْ السورةُ بما يُشيرُ إلى ذلك الحدثِ الغريبِ.
والجوابُ: أنها لم تكن هي الأميزَ في موضوعِ إحياءِ الموتى، فقد وردَ في هذه السُّورةِ أكثرُ من قصةٍ فيها إحياءُ الموتى، وهي:
إحياءُ بني إسرائيلَ بعد الصَّعقةِ، وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ *ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ٥٥، ٥٦].
_________
(١) ينظر مناسباتٌ أخرى في: البرهان في ترتيب سور القرآن، لابن الزبير الغرناطي (ص: ٣٢٨)، ونظم الدرر، للبقاعي (١٩: ١٣٩ - ١٤٣)، وتناسق الدرر في تناسب السور، للسيوطي (ص: ٨١)، وجواهر البيان في تناسب سور القرآن، لعبد الله الغماري (ص: ١١٠).
(٢) ينظر: التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (١: ٢٠١) ـ وهو ممن يُعنى باسم السُّورةِ، ووجه تسميتِها ـ فقد ذكر مناسبةً أخرى، قال: «ووجهُ تسميتِها: أنَّها ذُكرت فيها قصَّةُ البقرةِ التي أمرَ اللهُ بني إسرائيلَ بذبحِها؛ لتكونَ آية ووصف سوء فهمِهم لذلك، وهي مما انفردت به هذه السورة بذكرِه، وعندي أنها أضيفت إلى قصةِ البقرةِ تمييزًا لها عن سورِ آل «الم» من الحروف المقطَّعةِ...».


الصفحة التالية
Icon